للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك، فخطب للمستضيء العباسي، ومات العاضد عقيب ذلك، فاستولى صلاح الدين على القصر بجميع ما فيه، ونقل أهل العاضد إلى مكان منفرد، ووكل بهم من يحفظهم كما تقدم في ترجمة العاضد (١).

وطلب العادل نور الدين صلاح الدين من مصر إلى الشام، فاعتذر، فألح في طلبه وهم أن يصل بنفسه إلى مصر، وهم صلاح الدين بشق العصى ومقاتلة نور الدين، فأشار عليه أبوه بإظهار التذلل والخضوع لنور الدين، ويعلمه أنه عبده ونائبه في البلد وإن كان في باطن الأمر على خلاف ذلك، ففعل ما أشار به والده نجم الدين، فاستكان نور الدين لذلك، ورجع عما كان بصدده من قصد مصر، ثم توفي نور الدين في سنة تسع وسبعين.

وخرج على صلاح الدين الكنز كبير السودان، جمع بأسوان جمعا عظيما من السودان زعم أنه يعيد الدولة المصرية، وانضم إليه المصريون، فجهز إليه صلاح الدين جيشا كثيفا مقدمهم أخوه الملك العادل، فكسرهم في سنة سبعين وخمس مائة، فاستقر لصلاح الدين قواعد الملك.

وكان نور الدين قد خلف ولده الملك الصالح إسماعيل في دمشق، وكان شمس الدين ابن الداية بقلعة حلب قد حدثته نفسه بأمور، فسار الملك الصالح من دمشق إلى حلب، فوصل إلى ظاهرها ومعه سابق الدين، فخرج بدر الدين حسن بن الداية فقبض على سابق الدين، ولما دخل الملك الصالح القلعة .. قبض على شمس الدين ابن الداية وأخيه حسن، وأودع الثلاثة السجن، وفي ذلك اليوم قتل أبو الفضل بن الخشاب لفتنة جرت بحلب، وقيل: قتل قبل قبض أولاد الداية، ولما علم صلاح الدين بموت نور الدين وأن ولده الملك الصالح إسماعيل صبي لا يستقل بالأمر ولا ينهض بأعباء الملك .. ترك مصر، وتجهز إلى دمشق في جيش كثيف مظهرا أنه يتولى مصالح الملك الصالح، فدخلها بالتسليم في سنة سبعين وخمس مائة، وتسلم قلعتها، وفرح الناس به، وأنفق مالا عظيما.

ثم سار إلى حمص فأخذ مدينتها، ولم يشتغل بقلعتها، ثم توجه إلى حلب فنازلها، فأنفذ سيف الدين غازي صاحب الموصل جيشا عظيما مقدمهم أخوه عزّ الدين مسعود لمقاتلة صلاح الدين، فلما علم بذلك صلاح الدين .. رحل عن حلب عامدا إلى حماة، ثم إلى حمص، فأخذ قلعتها، ورحل عزّ الدين إلى حلب، واستظهر بعسكر ابن عمه الملك


(١) انظر (٤/ ٢٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>