للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشيخ اليافعي: (وقال بعض الرواة: حكى لي من أثق به أنه رأى بحوران شخصا واحدا معه نيف وثلاثون أسيرا قد ربطهم بطنب خيمة؛ لما وقع عليهم من الخذلان) (١).

ثم رحل السلطان إلى عكا، فأخذها واستنقذ من كان بها من أسرى المسلمين، وكانوا أكثر من أربعة آلاف، واستولى على ما فيها من الأموال والذخائر والبضائع؛ لأنها كانت مظنة التجار، وتفرقت العساكر في بلاد الساحل، فأخذوا الحصون والقلاع والأماكن المنيعة، فأخذوا نابلس وحيفا وقيسارية وصفورية والناصرة، ولما استقرت قواعد عكا، وقسمت أموالها .. أخذ صلاح الدين يشن الغارات، ويفتح بلدا بعد بلد، فأخذ صيدا وعسقلان والرملة والداروم والأماكن المحيطة بالقدس، فيقال: إنه ألقيت في مخيمه رقعة فيها على لسان بيت المقدس: [من مجزوء الكامل]

يا أيها الملك الذي ... لقواعد الإسلام أسس

يا من سطا بحسامه ... ومعالم الصلبان نكس

كل الأماكن طهرت ... وأنا على شرفي منجس

فشمر عن ساق الجد والاجتهاد في قصد القدس المبارك، واجتمعت إليه العساكر التي كانت متفرقة في الساحل، فسار نحوه معتمدا على الله، مفوضا أمره إلى الله، ومنتهز الفرصة في فتح باب الخير الذي حث الله على انتهازه بقول نبيه صلّى الله عليه وسلم: «من فتح له باب خير .. فلينتهزه؛ فإنه لا يعلم متى يغلق دونه» فنزل بالجانب الغربي، وكان مشحونا بالمقاتلة من الخيالة والرجالة، قيل: كان فيه من المقاتلة ما يزيدون على ستين ألفا خارجا عن النساء والصبيان، ثم انتقل لمصلحة رآها إلى الشمالي في يوم الجمعة العشرين من رجب ونصب المجانيق، وضايق البلد بالزحف والقتال حتى أخذ النقب في السور مما يلي وادي جهنم، فلما رأى أعداء الله ما نزل بهم من الأمر الذي لا مدفع لهم عنه، وظهرت لهم أمارات الفتح .. استكانوا، وطلبوا الأمان، واتفق الصلح على أن يسلموا القدس المبارك للمسلمين، وقطعوا على أنفسهم على كل رجل عشرين دينارا، وعن كل امرأة خمسة دنانير صورية، وعن كل صغير ذكر أو أنثى دينارا واحدا، فمن أحضر قطيعته .. نجا بنفسه، وإلا .. أخذ أسيرا، وعلى إفراج كل من كان بالقدس من أسارى المسلمين، وكانوا خلقا كثيرا، فتسلم المسلمون يوم الجمعة الميمون سابع وعشرين رجب المعظم، وذلك


(١) «مرآة الجنان» (٣/ ٤٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>