للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان من أعيان اليمن المشهورين كرما وسخاء، وحلما ووفاء.

فمن حلمه: أن جماعة من فقهاء السحول قدموا عليه أيام ولايته، فراجعوه في كشف مظلمة، فامتنع، فخلع بعض الفقهاء نعله وضربه بها، فلم يزده على قوله: يكفي يا فقيه، يكفي يا فقيه، فهم غلمانه بالبطش بالفقيه، فنهاهم عن ذلك، ولم يزل يستعطف الفقيه حتى سكن غضبه، وقضى حاجته فيما طلبه.

ومن كرمه: ما رواه الجندي، عن الثقة، عن المقرئ حميد المؤذن بجبلة وكان من أعيانها قال: حضر عيد النحر ولا عندي شيء، فأشير علي بقصد ابن المعلم، فكتبت إليه ورقة أسأله فيها عشرة أذهاب ذرة وخمسة أذهاب بر (١)، وناولته الورقة، فعبس، وأعرض عني، فخرجت وأنا ألوم نفسي على قصده، فأمر من لحقني وردني إليه، فأدناني منه وقال: سبحان الله! المقرئ حميد، اسم كبير، وهمة ضعيفة، يصل إلي ويسألني شيئا حقيرا! فاعتذرت إليه، فناولني ورقة بيضاء وقال: اكتب جميع ما تحتاجه للعيد، فكتبت أطلب مائتي ذهب ذرة، ومائتي ذهب بر، ورأس بقر، ورأسي غنم، وكسوة لي ولأولادي، فلما قرأها .. أسفر وجهه، وكتب إلى نائبه بجبلة أن يسلم جميع ما ذكرت معجّلا، فسلم إليّ النائب جميع ذلك (٢).

وكان له مكانة عند سيف الإسلام طغتكين بن أيوب، وكان يلتزم جميع مخلاف جعفر بمال معلوم، فطلب منه سيف الإسلام الذي تضمن به البلاد، فعجز عنه، فقبض سيف الإسلام غالب أملاكه، وهرب ابن المعلم، وذلك في شعبان سنة اثنتين وتسعين وخمس مائة، فنصّب القاضي منصوبا قضى السلطان عنه جميع أملاكه حيث كانت بما بقي عليه من الضمان، وكانت أمواله جليلة في أماكن كثيرة.

فلما توفي سيف الإسلام في التاريخ المتقدم ذكره، وولي ابن المعز قطر اليمن .. أعاد ابن المعلم على عمالة المخلاف، فأقام يسيرا، ثم أسره، فأقام في الأسر ستة أشهر، وشنقه في عاشر المحرم من سنة ست وتسعين وخمس مائة.


(١) الأذهاب: جمع ذهب، مكيال معروف لأهل اليمن.
(٢) انظر «السلوك» (٢/ ٥٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>