للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما علم الأكحل بما اتفق على التكريتي من القبض عليه وعلى ما معه .. أرسل إليه بمركب آخر وقال: يترك له عند بعض عدول البلد ينفقه منه، ويكسوه حتى يأتيه الفرج، فلما بلغ الخبر سيف الإسلام .. تعجب، فقال: يحق لمادح هذا أن يقول ما شاء، وأطلق التكريتي، وأطلق عليه ما أخذ منه.

ومما يحكى من كرم هذا السلطان وجميل فعله أن جماعة من أعيان حضرموت قصدوه بهدايا تليق بأحوالهم، وصحبهم فقير، فسمعهم الفقير يذكرون السلطان بالجود والكرم، ويذكر كل منهم ما معه من الهدايا، فاجتنى الفقير ضغثا من الأراك الذي يستاك به عددهم سبعة، وجعلهم حزمة، فلما وصلوا مرباط، ودخلوا على السلطان بهداياهم .. دخل معهم الفقير وسلم، ووضع ما معه من الأراك بين يدي السلطان وأنشد: -[من الوافر] جعلت هديتي لكم سواكا ... ولم أقصد به أحدا سواكا

بعث إليك ضغثا من أراك ... رجا أني أعود وأن أراكا (١)

فأمر بأن تخلى لهم بيوت، وللفقير مثلهم، وأرسل للفقير بجاريتين ووصيف يخدمونه مدة إقامته، وكذا كان يفعل لكل ضيف يصله، فلما عزم الفقير على الرجوع إلى بلاده ..

أمرهم أن يعطوه من كل شيء في خزائنه سبعة أجزاء؛ أي: مما كان يوزن بالبهار كالحديد والقار يعطى منه سبعة أبهرة، وما يوزن بالمن كالزعفران ونحوه يعطى منه سبعة أمنان، وكذلك ما يباع بالمكيال كيلا والموزون وزنا سبعا سبعا.

وبالجملة: فمكارم هذا السلطان المذكور كثيرة.

وتوفي على أحسن حال من العفاف والعدل بعد استكمال ست مائة من الهجرة، وقبر بين مرباط وظفار.

قال الجندي: وذكر الثقات أن كثيرا ما يسمع من قبره قراءة القرآن، ولم يكن له عقب، ولا في أهله من يتأهل للملك، وكان محمد بن أحمد الحبوضي يتجر له، فقام بالملك بعده) (٢).


(١).البيتان نسبهما أبو منصور الثعالبي في «يتيمة الدهر» (٤/ ٤٩٢) إلى أبي سعيد عبد الرحمن بن محمد بن دوست.
(٢) «السلوك» (١/ ٤٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>