للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما قربوا المدينة .. رفعوا مطيّهم، ورفع النبي صلّى الله عليه وسلم مطيّته وصفية خلفه قد أردفها، فعثرت مطيّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فصرع وصرعت، فألقى أبو طلحة ثوبه على المرأة وأصلح من شأنها، قال أنس: فدخلنا المدينة، فخرج جواري نسائه يتراءينها ويشمتن بصرعها (١).

وفي هذه السنة: أغار زيد بن حارثة على جذام (٢)، وسببه: أن دحية بن خليفة الكلبي لما رجع من عند قيصر لما بعثه النبي صلّى الله عليه وسلم بكتابه إليه .. جاء معه بتجارة من الشام، فلما كان ببلد جذام .. أغار عليه الهنيد الجذامي ثم الصّليعي (٣) وأخذ جميع ما معه، فلما قدم دحية على النبي صلّى الله عليه وسلم .. استسقاه دم الهنيد (٤)، فجهز النبي صلّى الله عليه وسلم إليه زيد بن حارثة، فقتل الهنيد وابنه ورجلا من قومه، فجمع السبايا والأموال من بلاد جذام، فاعترضه رجال من جذام كانوا قد أسلموا، فأخبروه بإسلامهم وصدقهم، وأمر الجيش ألا يطأ واديهم، وأراد أن يردّ عليهم سبيهم، فصرفه من ذلك تهمة سمعها منهم، فانطلق رفاعة بن زيد الجذامي في رجال من قومه إلى المدينة وشكوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلم ما حصل عليهم من زيد بعد إسلامهم وأمانه صلّى الله عليه وسلم، فأرسل صلّى الله عليه وسلم معهم علي بن أبي طالب، وأعطاه سيفه علامة لذلك، فلما خرجوا من المدينة .. استقبلهم رسول زيد على ناقة من إبلهم، فأخذوها، ثم لقوا زيدا بفيفاء الفحلتين (٥)، فأخذوا كل شيء معه من أموالهم (٦).

وفي هذه السنة-وقيل: في الثامنة (٧) -كانت غزوة ذات السّلاسل، وهو اسم ماء انتهت


(١) أخرجه مسلم (١٣٦٥)، وأحمد (١٢٣/ ٣ و ١٩٥)، والبيهقي (٩/ ٥٦) وغيرهم، والساتر لها عندهم هو رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
(٢) ذكر أكثر أهل السير: أنها كانت في جمادى الآخرة من السنة السادسة، كما ذكره ابن سعد (٢/ ٨٤)، والواقدي في «المغازي» (١/ ٥)، ولكن ذكروا أن بعث الرسل كان في أول السنة السابعة أو آخر السادسة كما في «الطبقات» (١/ ٢٢٢)، وسبب السرية إنما هو ما حصل مع دحية مرجعه من عند هرقل، فيكون الصحيح: أنها في السابعة، والله أعلم.
(٣) الصليعي: نسبة إلى صليع؛ بطن من جذام، وانظر «سبل الهدى والرشاد» (٦/ ١٤٠).
(٤) استسقاه دمه: طلب منه الإذن في قتله.
(٥) أرض فيفاء: واسعة، والفحلتين: قناتان بين المدينة وذي المروة. انظر «عيون الأثر» (٢/ ١٤١).
(٦) أخرجه الطبراني في «الكبير» (٢٠/ ٣٤٠)، وانظر «سيرة ابن هشام» (٤/ ٦١٢)، و «طبقات ابن سعد» (٢/ ٨٥).
(٧) قال الصالحي في «سبل الهدى والرشاد» (٦/ ٢٧٠): (ذكر الجمهور-ومنهم ابن سعد [١٢١/ ٢]-: أنها كانت في جمادى الآخرة سنة ثمان، وقيل: كانت سنة سبع، وبه جزم ابن أبي خالد في «صحيح التاريخ»)، قال الحافظ في «الفتح» (٨/ ٧٤): (ونقل ابن عساكر الاتفاق على أنها بعد غزوة مؤتة، إلا ابن إسحاق فقال: قبلها).-

<<  <  ج: ص:  >  >>