للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أربعون نفسا من أهله وأقاربه، فلما زلزل أهله عن وطنهم .. رقّ لهم، فرجع ودخل في القضاء، وكان لا يحكم إلا وبينه وبين المتخاصمين ستر؛ لشدة ورعه.

يقال: إنه في بعض الأيام أتت بقرتان إلى داره وصاحتا، فعرف أن صياحهما يشكوان أن سيدهما يستخدمهما خدمة عظيمة غليظة، ولا يشبعهما علفا، فأدخلهما القاضي داره وعشاهما، واستدعى سيدهما وقال له: لا يحل لك من الله أن تجيعهما، وتكلفهما ما لا يطيقان، فتكفل سيدهما أن يشبعهما، وألا يكلفهما ما لا يطيقان.

وروي: أن البقرتين صاحتا تحت دار القاضي وانصرفتا، فقال القاضي لرجل: إنهما شاكيتان، اذهب معهما، وائتني بسيدهما، فذهب الرجل والبقرتان تمشيان قدامه كالدالات له على من ظلمهما، فلما وصلتا إلى باب سيدهما .. وقفتا، فدعا الرجل سيدهما، ومضى به إلى القاضي، فقال له القاضي ما تقدم ذكره، وتكفل له السيد بما تكفل) اه‍ (١)

وهذه القصة تشبه قصة كسرى أنوشروان العادل مع الحمار.

قال الخطيب: (توفي المذكور ليلة الاثنين آخر صفر سنة ثمان وعشرين وست مائة، وقبر عند قبور آل با علوي) (٢) أي: بتريم، نفع الله بهم أجمعين.

٢٨٩٢ - [يحيى بن معاذ الرازي] (٣)

أبو زكريا يحيى بن معاذ الرازي الشيخ الجليل، أحد شيوخ «الرسالة» المشهورة.

قال فيه الأستاذ أبو القاسم القشيري: (نسيج وحده في وقته، له لسان في الرجاء خصوصا، وكلام في المعرفة، خرج إلى بلخ، فأقام بها مدة، ورجع إلى نيسابور، ومات بها) (٤).

ومن كلامه: الكلام الحسن حسن، وأحسن من الكلام معناه، وأحسن من معناه استعماله، وأحسن من استعماله ثوابه، وأحسن من ثوابه رضى من يعمل له.

وقال: ليكن حظ المؤمن منك ثلاث خصال: إن لم تنفعه .. فلا تضره، وإن لم تمدحه .. فلا تذمه، وإن لم تسره .. فلا تغمه.


(١) «الجوهر الشفاف» (١/ ٦٥).
(٢) «الجوهر الشفاف» (١/ ٦٦).
(٣) تقدمت ترجمته في وفيات سنة (٢٥٨ هـ‍) في موضعها الصحيح؛ فانظر مصادر ترجمته هناك (٢/ ٥٦٣).
(٤) «الرسالة القشيرية» (ص ٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>