للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيئا آكله، فقالت له: ليس في البيت شيء إلا وقد غطي وذكر اسم الله عليه، قال: فما فيه صغير قد أكل شيئا فنام قبل أن يغسل فمه؟ قالت: بلى، ولكني أخشى أن تضره، قال:

لا، ولكن إذا أصبح وعلى فيه شيء .. فاطلوه بطحلب الجرة (١)، ثم غاب الكلب عن نظر الفقيه، ورجع الفقيه إلى ورده وإذ به يسمع بكاء ابن له صغير في مهده، فاستيقظت أمه، وحركته حتى نام، فلما أصبح .. ظهر على فم الصبي بثر، فقالت أمه للفقيه: انظر هذا الذي أصبح على فم ابني، فقال: منك، تطعمينه ولا تغسلين له فمه من الطعام، فذكرت أنها لم تغسل فمه تلك الليلة من الطعام، فأخذ الفقيه طحلب الجرة، وطلا به فم الصبي فبرئ، ثم أقبلت الهرة تمشي على عادتها، فقال لها الفقيه: هكذا يا مسعودة تساعدين علينا؟ ! فنظرت إلى الفقيه ساعة ثم ولت، فقال الفقيه: قد ربينا هذه الهرة، فالله عليها خير حفظا، فنزلت الهرة إلى الدّهليز، وأرادت تخرج من طاقة، فحنبت فيها (٢)، فلما كان بعد يومين .. فقدت، فبحثوا عنها، فوجدوها قد حنبت في تلك الطاقة، فأمر الفقيه من خلصها وأتى بها إليه، فقال لها: لا بأس عليك، لا تغيري الصحبة.

فلما اشتهرت هذه الحكاية .. صار كل من حصل عليه بثر حول فمه طلاه بطحلب الجرة فبرئ، وجرب ذلك مرارا.

وكان الفقيه المذكور خطيب بلده وإمام جامعها.

وتوفي نحوا من سنة ستين وست مائة، وحضر دفنه خلق لا يحصون.

قال الجندي: (ومن غريب ما جرى يوم موته أنه كانت له بقرة-غالب إدامه من درها ودهنها-هلكت يوم وفاته، وأخرجت من الموضع قبل أن يخرجوا بالفقيه، وكان بينه وبين مؤذن مسجده مودة أكيدة، فلما توفي الفقيه .. خرج المؤذن في جملة المشيعين، وخرج معه بولد صغير له يحمله على كتفه؛ خوفا عليه من الزحام، فلما فرغ من الدفن .. جعل يطلب ولده يمينا وشمالا، فلما لم يبن .. صاح به، فأجابه الصبي وهو على كتفه، فتعجب الناس من اشتغال خاطره حتى نسي ابنه وهو على كتفه) (٣).


(١) الطحلب-بضم الطاء واللام، وبفتح اللام أيضا-: الخضرة التي تعلو الماء الراكد.
(٢) حنبت: علقت (لهجة يمنية).
(٣) «السلوك» (١/ ٤٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>