للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الريش، فأكلت الريش فحسب، وذكر بعضهم أن علة عدم أكلها للشجر كونه صلّى الله عليه وسلم حرّم شجر المدينة.

قال الشيخ اليافعي: (وهذا الذي ذكره إنما يصح لو كان السهم المذكور متخذا من شجر حرم المدينة، ولم يعهد أن السهام تتخذ من الحرم المذكور، قال: والذي يظهر-والله أعلم -أن هذه النار لما كانت من آيات الله العظام .. جاءت خارقة للعادة، مخالفة في تأثيرها للنار المعتادة؛ فإن النار تأكل الخشب دون الحجر، فجاءت هذه على عكس تلك من أكل الحجر دون الخشب، وهذا أبلغ في العبر، وأقوى في الأثر) اه‍ (١)

وكانت تذيب كل ما مرت عليه من الأحجار والجبال حتى يصير سدّا لا مسلك فيه لإنسان ولا دابة، حتى إنها سدت وادي الشطاه (٢) بسد عظيم بالحجر المسبوك بالنار، حتى قال بعض المؤرخين في معرض التعظيم له: ولا كسد ذي القرنين طولا وعرضا وارتفاعا، وانقطع بسبب ذلك سيل وادي الشطاه، وانحبس دون السد المذكور، وكان يجتمع الماء خلفه حتى يصير بحرا مد البصر عرضا وطولا، كأنه نيل مصر في زيادته، ثم انخرق هذا السد من تحته في سنة تسعين وست مائة؛ لتكاثر الماء خلفه، فجرى في الوادي المذكور سنة كاملة ملأ ما بين جنبتي الوادي، ثم انخرق مرة أخرى في العشر الأول بعد السبع مائة، فجرى سنة كاملة وأزيد، ثم انخرق في سنة أربع وثلاثين وسبع مائة، وكان ذلك بعد تواتر أمطار عظيمة بالحجاز في تلك السنة، وكثر الماء وعلا من جانبي السد ومن دونه مما يلي الجبل وغيره، فجاء سيل طام لا يوصف، ومجراه ملاصق لقبة حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه قبلي جبل عنين بفتح العين المهملة، ومثناة من تحت بين نونين الأولى مكسورة.

قال الشيخ اليافعي: (ولعله الجبل الذي أمر صلّى الله عليه وسلم الرماة أن يقفوا عليه، وحفر السيل المذكور واديا آخر قبلي الجبل المذكور، وبقيت القبة والجبل المذكوران في وسط السيل، وتمادت مدة جريه قريبا من سنة) (٣).

وفي أول ليلة من شهر رمضان من السنة المذكورة: احترق المسجد الشريف النبوي بعد


(١) «مرآة الجنان» (٤/ ١٣٢)، .
(٢) في «تاريخ الإسلام» (٤٨/ ٢٠): (الشظاه).
(٣) «مرآة الجنان» (٤/ ١٣٣)، وانظر الحادثة في «ذيل مرآة الزمان» (١/ ٥)، و «تاريخ الإسلام» (٤٨/ ١٨)، و «مرآة الجنان» (٤/ ١٣١)، و «البداية والنهاية» (١٣/ ٢٢١)، و «شذرات الذهب» (٧/ ٤٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>