للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سأله عما قرأ من الكتب، فأعلمه، فقال له المظفر: لم لا قرأت شيئا من كتب أصول الدين؟ فقال له: قد قرأت ما عرفت به ربي وصفاته وحرمة نبيي ومبدئي ومعادي، فقال له: ذلك المطلوب ما هو؟ قال: كتاب الله وسنة رسوله والنحو واللغة، فقال: صدقت، ونعم ما علمت، ولكن لو ظهر عليكم خارجي بماذا كنتم تقابلونه؟ فقال له الفقيه: بسيفك المسلول، فقال له المظفر: أحسنت، هكذا كان الصدر الأول من السلف رضي الله عنهم، فعرض عليه أن يدرس بمدرسته، فاعتذر الفقيه بأنه رجل تهامي، لا صبر له على الجبال الوعرة والبلاد الباردة، فقال له السلطان: ليس هذا عذرا وأنت ذكرت لي أنك قرأت على ابن الزبير بالمخلافة، وهي أشد بردا من هذه البلد، وأضنك عيشا، فقال: الآن حججتني، سمعا وطاعة لما تريد.

قال الجندي: (قال عثمان الشرعبي: فلما استمر مدرسا في المدرسة .. ظهرت الفوائد الجمة على الطلبة، وأنارت الأنوار الفقهية والحديثية والنحوية واللغوية، وكان يسمع في أرجاء المدرسة صرير الأقلام، وانتفع به الخاص والعام، وكان مجلسه محفوفا بالبركات، محفوظا عن الزلات، إذا تعرض فيه متعرض لنحو غيبة .. زبره الفقيه، وكان يقرئ الحديث في رجب وشعبان ورمضان، فيحضر مجلسه المدرسون، والشيوخ الصالحون، والشباب التائبون.

وكان كثير الورع، محفوظا عن أكل ما فيه شبهة، لا يأكل إلا ما تحقق حله، وإن أكل شيئا فيه شبهة .. لا يستقر في بطنه منه شيء، قال عثمان الشرعبي: عمل بعض جيران المدرسة طعاما لحادث حدث له، فطلب جيرانه وجماعة من الفقهاء المدرسين فيهم الفقيه عيسى، فأكلوا، وأكل الفقيه معهم، فلما رجع الفقيه إلى بيته .. لم يستقر ذلك الطعام في جوفه، وتقيأه جميعه، ثم أخرج قطعة دم، ثم سأل الفقيه عثمان عن الرجل الذي دعاهم إلى بيته، فقال: هو عبد من عبيد الطبلخانة (١)، فقال: لو علمت حاله .. لامتنعت، لكن قلدت الفقهاء.

فأقام الفقيه على التدريس في المدرسة المظفرية سنين، ثم عاد إلى بلده، فأقام أياما يسيرة، ثم توفي في سنة ثمانين تقريبا) (٢).


(١) الطبلخانة: المكان المعد لحفظ الطبول والأبواق والصنوج التي يستخدمها الجيش في الموسيقى العسكرية.
(٢) «السلوك» (٢/ ٣٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>