للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان صلّى الله عليه وسلم يدور على نسائه، فاشتد عليه المرض في يوم ميمونة، فاستأذن أزواجه أن يمرض في بيت عائشة، فأذنّ له، فخرج صلّى الله عليه وسلم ويد له على علي والأخرى على الفضل بن عباس، وأمرهم أن يهريقوا عليه من سبع قرب لم تحلل أوكيتهنّ ليعهد إلى الناس، فأجلسوه في مخضب لحفصة، فصبّ عليه من تلك القرب حتى طفق يشير بيديه أن قد فعلتنّ، ثم خرج إلى الناس فصلى بهم وخطبهم (١)، وصلّى على قتلى أحد واستغفر لهم كالمودع للأحياء والأموات (٢)، وقال: «لا يبقى في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر» (٣)، وأوصى بتنفيذ جيش أسامة، وقال: «استوصوا بالأنصار خيرا، وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فأحسنوا إلى محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم»، ولم يخطب بعدها (٤).

ولما عجز صلّى الله عليه وسلم عن الخروج إلى المسجد .. أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، فصلى أبو بكر بالناس تلك الأيام إلى أن توفي صلّى الله عليه وسلم (٥)، فدهش أصحابه دهشة عظيمة، وحقّ لهم ذلك، فاختلط عمر؛ فجعل يصيح ويحلف ما مات صلّى الله عليه وسلم، وتهدد من قاله، وأقعد عليّ فلم يستطع حراكا، وأخرس عثمان فكان يذهب به ويجاء فلا يستطيع كلاما، وأضني عبد الله بن أنيس حتى مات كمدا.

ولم يكن فيهم أثبت من العباس وأبي بكر رضي الله عنهما، فخطبهم أبو بكر رضي الله عنه وعيناه تهملان، فقال: أما بعد: فمن كان يعبد محمدا .. فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله .. فإن الله حي لا يموت؛ قال الله تعالى {وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ} إلى {الشّاكِرِينَ} الآية. قال ابن عباس:

فو الله؛ لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه الناس كلهم، فما أسمع بشرا من الناس إلا يتلوها، قال عمر: والله؛ ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلّني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي قد مات (٦).


(١) أخرجه البخاري (١٩٨)، ومسلم (٤١٨) بلفظ قريب، وعند البخاري: أنه كان بين العباس وعلي، والوكاء: الخيط الذي تشد به الصرة وغيرها، والمخضب: إناء كبير يغتسل فيه.
(٢) أخرجه البخاري (٤٠٤٢)، ومسلم (٢٢٩٦).
(٣) أخرجه البخاري (٣٩٠٤)، ومسلم (٢٣٨٢)، والخوخة: الباب الصغير بين البيتين.
(٤) أخرجه البخاري (٣٧٩٩)، ومسلم (٢٥١٠).
(٥) أخرجه البخاري (٦٧٨)، ومسلم (٤٢٠).
(٦) أخرجه البخاري (٤٤٥٤)، وابن حبان (٦٦٢٠)، وابن ماجه (١٦٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>