للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان فقيها صالحا، له مقروءات ومسموعات، وكان خطيبا مصقعا، ولما تولى الوزارة والقضاء الأكبر القاضي موفق الدين علي بن محمد اليحيوي في أول أيام المؤيد .. حمل إلى السلطان من العمرانيين ما الله أعلم بصحته حتى تغير عليهم ظاهر السلطان وباطنه، فقبض على الفقيه عبد الله المذكور وولده عمران وأخيه حسان بن أسعد، فضرب حسان وابن أخيه عمران ضربا مبرحا كما سنذكره في ترجمة حسان (١)، وهموا بضرب القاضي عبد الله، فحماه الله منهم، فما همّ أحد بضربه إلا ضربه الله ببلاء من عنده للفور، حتى إن بعض الجاندارية (٢) دخل على الفقيه عبد الله وكلمه بسوء أدب وتهدده بالضرب، فبزقه الفقيه بزقة انقطع منها شيء من أمعائه، ووقع مغشيا عليه، فلم يفق من غشيته إلا وقد حمل إلى بيته، ولم يزل مريضا لا ينفع نفسه بنفاعة.

ثم إن بنت أسد الدين زوجة المؤيد شفعت فيهم، فأطلقوا من السجن، وأمروا بسكنى سهفنة، ورهن القاضي عبد الله ولده عمران، ورهن القاضي حسان ولده محمدا، فأنزل الرهائن إلى زبيد.

وأقام القاضي عبد الله بسهفنة إلى أن توفي بها في ذي الحجة سنة إحدى وسبع مائة، وحضر دفنه جمع كثير من الجند وغيرها، وكان فيهم الإمام أبو الحسن علي بن محمد الأصبحي، فروى من حضر دفنه أنه كان ذلك اليوم على قرية سهفنة جراد عظيم، ولم يكن خارجها شيء، ولم يزل الجراد حول القرية وحول النعش إلى أن قبر، ثم لم يوجد منه شيء بعد دفنه، فسئل الإمام أبو الحسن علي بن محمد الأصبحي عن ذلك فقال: ما هو بعيد أن يكون الجراد ملائكة حضروا دفن القاضي عبد الله، فإن حق القاضي عبد الله عند الله كبير؛ لكثرة إطعامه وصدقته رحمه الله ونفع به، آمين.

٣٥٣٦ - [ابن الخلال] (٣)

المسند بدر الدين بن علي ابن الخلال الدمشقي.


(١) انظر (٦/ ٥٢).
(٢) الجاندارية: صنف من العسكر ينحصر عملهم عند مباشري الديوان، يعملون بإمرة أمير يسمى: أمير جاندار، وذلك في العصرين الأيوبي والمملوكي.
(٣) «معجم الشيوخ» (١/ ٢١١)، و «الإعلام بوفيات الأعلام» (ص ٢٩٤)، و «مرآة الجنان» (٤/ ٢٣٨)، و «الدرر الكامنة» (٢/ ٢١)، و «شذرات الذهب» (٨/ ١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>