للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشدّين في خلاصه، فلم يخلفوا عليه درهما واحدا، واستعظم المقرئ الجائزة، وخشي الحسد، فكتب إلى السلطان يحقر نفسه في قبض هذه العطية الكثيرة، ويسأل العوض عنها ألفي دينار فقال: [من الكامل]

يا من يثير بأريحية جوده ... سحبا يعاور في حياها المغدق

ارفق بعبدك واسقه متمهلا ... إن قام يستسقيك ما لا يغرق

في نصف نصف النصف مما جدت لي ... أضعاف ما أرجو وما أنا أنفق

من كان لا يرضى عطاه فأنت من ... يرضى ببعض البعض مما يرزق

فأبقى السلطان الصدقة الأولى على حالها، وزاده ألفي دينار حوالة على عبد الرحمن بن علي بن جميع بعدن، فتخلص المقرئ الأول والآخر، فناهيك من كرم وسخاء، وجود ووفاء.

وفي ذي القعدة من سنة ولايته: نزل إلى زبيد، وأمر بتجديد درب زبيد وتحصينها.

وفي سنة ثلاث وثلاثين: نكل بالجند الذين خلعوا ابن أخيه إسماعيل الأشرف أشد النكال، وأذاقهم شديد الوبال، وكانوا قد طغوا وبغوا، وزعموا أنهم يقيمون من شاءوا ويخلعون من شاءوا، فأبادهم قتلا وتغريقا، ونفيا وتفريقا، ثم صادر وزير ابن أخيه شرف الدين إسماعيل بن عبد الله العلوي، وقتل أخاه الشهاب العلوي، وخرب بيوتهم، ونهب أموالهم، ودمر أحوالهم كما ذكرنا ذلك في ترجمة القاضي شرف الدين المذكور في العشرين قبل هذه، واستوزر القاضي تقي الدين عمر بن الوزير شرف الدين أبي القاسم بن معيبد، وأمر حكام ثغر عدن أن يجهزوا مراكب الديوان مشحونة بالرجال والسلاح، ويتقدموا إلى باب المندب يرصدون من مر عليهم من مراكب الهند إلى جدّة، ويلزموهم الرجوع إلى عدن، فبادر النواب إلى ذلك، ووقفوا بباب المندب، فظفروا ببعض مراكب الهند وأخذوهم وأدخلوهم إلى عدن قهرا، واستصفيت أموالهم، وإلى ذلك أشار شرف الدين المقرئ في بعض قصائده التي يمدح بها الظاهر حيث يقول: [من الطويل]

ومن عجب بغي المراكب هذه ... بتجويزها يا ويل من ركب البغيا

لقد حذّروا هذا فكانوا ببغيهم ... لما سمعوا صما وما أبصروا عميا

فأعرضت عنهم والمقادير خلفهم ... تسوقهم كالبدن نحوكم هفيا

<<  <  ج: ص:  >  >>