للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشريف بركات الطريق لقاصد القاضي، فظفروا به وفتشوه، فوجدوا معه الورقة، فأتوا به وبالورقة إلى الشريف بركات وهو بمكة، فلما وقف على خط القاضي .. تحقق أن القاضي ساع في هلاكه، ولم يعلم القاضي بذلك.

ويقال: إن الورقة مكيدة زورت على خط القاضي توصلا إلى هلاكه، والله أعلم بحقيقة الأمر.

فلما فرغ القاضي من التدريس بالحرم بعد طلوع الشمس، وطاف بالبيت سبوعا على جاري عادته .. أتاه رسول الشريف يستدعيه، فخرج من الحرم إلى دار الشريف قبل أن يصل إلى بيته، فدخل وأراد الجلوس بقرب الشريف على جاري عادته، فأخرج عن ذلك المجلس، ورمى إليه الشريف بالورقة وقال له: كنا نسمع ولم نصدق حتى شاهدنا خطك، فيقال: إنه أنكر أن يكون ذلك خطه، وأراد تقطيعها، فاجتذبها الشريف منه، فأراد اجتذابها من يد الشريف على ما يألفه من الانبساط والاستدلال، فلطمه الشريف قايتباي لطمة فاحشة حتى أسقط عمامته من رأسه، وأراد هسفه وضربه، فمنعه الشريف بركات من ذلك، ثم أمر به، فنقل إلى مجلس آخر، وجعل عليه الترسيم، وأرسل في الحال من احتاط على بيوته، وأخرج أولاد القاضي وحرمه من البيت مجردين ليس معهم سوى ثياب أبدانهم، وسمر على بيوت القاضي وأملاكه وحواصله جميعها، ثم جمع الفقهاء وأعيان البلاد وأوقفهم على الورقة، فقرروا أنها خط القاضي، فكتب محضرا بما اتفق من القاضي، وأخذ عليه خطوط الحاضرين من الفقهاء والأعيان والأمراء، فكتب كل منهم على قدر ما في نفسه من الضغن والإحن على القاضي، ثم أخذ في مصادرة القاضي وتعذيبه بأنواع العذاب من العصاريات وغيرها، ورسّم على كبار عياله كالقاضي صلاح الدين وغيره، ولم يزل يستجر منه المال، ثم سعي بين الشريف والقاضي على أن يبذل القاضي مبلغا جزيلا من المال، وعلى أن يخرج ولده القاضي صلاح الدين، فيبيع أملاك القاضي في تحصيل المبلغ المذكور، فأطلق القاضي صلاح الدين، فباع كتب والده وملابسه وذخائره ومصاغه وأثاثه وشيئا من عقاره بأبخس ثمن، ورهن بعض العقار حتى سلم المبلغ المشروط، ثم إن الشريف أرسل بالقاضي إلى جدّة في الترسيم، وأركب في البحر من جدة إلى جزيرة القنفدة قرب حلى، ثم أتبعه بعياله إلى الجزيرة، فتم بالجزيرة هو وعياله وعليهم الترسيم، فلما قرب الركب المصري من وصول مكة، وعلم الشريف أنهم ساعون في خلاص القاضي ..

أرسل بريدا إلى ابن ركوب أمير القنفدة بأن يغرّق القاضي حال أن يصله كتابه، فأركبه في

<<  <  ج: ص:  >  >>