للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأولى، قتل فيها ثلاثة وثلاثون، فيهم: طلحة بن عبيد الله، وابنه محمد المعروف بالسجاد، وزيد بن صوحان، وكعب بن سوار، وكان كل من مد يده إلى خطام الجمل من أحد الفريقين ضربه الفريق الآخر بالسيف حتى يطن يده، فيقال: إنه قطع على خطام الجمل سبعون يدا من بني ضبة وهم ينشدون: [من الرجز]

نحن بنو ضبة أصحاب الجمل ... ننازل الموت إذا الموت نزل

والموت أشهى عندنا من العسل

وعائشة رضي الله عنها راكبة على الجمل، فأشار علي بعقر ذلك الجمل فعقر، وخمد الشر وظهر علي وانتصر، وجاء إلى عائشة، فقال: غفر الله لك، قالت: ولك، ملكت فأسجح (١)؛ فما أردت إلا الإصلاح، فبلغ من الأمر ما ترى، فقال: غفر الله لك، قالت: ولك، ثم سير معها عشرين امرأة من ذوات الدين والشرف يمضين معها إلى البصرة، وأنزلها في دار وأكرمها، ثم سيرها إلى المدينة الشريفة وشيعها وودعها.

وكان قبل الوقعة قد سمعت عائشة نباح الكلاب، فسألت عن اسم الموضع الذي هم فيه، فقالوا: الحوأب، فذكرت قوله صلّى الله عليه وسلم لها: «كيف بك يا حميراء إذا نبحت عليك كلاب الحوأب؟ » فقالت: ولات حين رد (٢).

وكان علي قد بدر الزبير وقال له: أما تذكر قوله صلّى الله عليه وسلم لك وأنا حاضر:

«أما إنك ستقاتله وأنت له ظالم؟ » فقال: لم أذكر ذلك إلا الآن، ثم رجع إلى أهله واستلثم وركب فرسه، فقال علي رضي الله عنه لأصحابه: أفرجوا له ولا تتعرضوا له؛ فإنما هو مار، فشق صفوف علي رضي الله عنه، ومر عنهم تاركا للقتال إلى أن بلغ وادي السباع، فنام به فقتله ابن جرموز بغتة.

وكان علي رضي الله عنه يقول: والله؛ إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير من أهل هذه الآية: {وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْااناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ.}

قال الشيخ اليافعي: (وما ينكر سعادة الجميع منهم وغفران الله لهم ما جرى بينهم إلا


(١) الإسجاح: حسن العفو.
(٢) أخرجه ابن حبان (٦٧٣٢)، والحاكم في «المستدرك» (٣/ ١٢٠)، وأحمد (٦/ ٥٢)، لكن إنما قال النبي صلّى الله عليه وسلم ذلك لنسائه عامة دون أن يخص عائشة رضي الله عنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>