للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حوله مملوءة نارا، وتدنا منه حتى تحرق جلده وهو لا يحس بها، فشكى ما يجده إلى الحسن البصري، فقال له: قد نهيتك ألا تتعرض للصالحين.

ويقال: إن الحسن سجد شكرا لله تعالى لما بلغه موت الحجاج، وقال: اللهم؛ كما أمته عنا فأمت عنا سنته، يقال: إنه رأى قبل موته أن عينيه قلعتا، وكان عنده هند بنت المهلب وهند بنت أسماء بن خارجة، فطلق الهندين؛ ظنا منه أن رؤياه تتأول كلاّ منهما، فلم يلبث أن جاءه نعي أخيه محمد بن يوسف من اليمن في اليوم الذي مات فيه ابنه محمد، فقال: هذا تأويل رؤياي محمد ومحمد في يوم واحد، إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم قال:

من يقول شعرا ليسليني؟ فقال الفرزدق: [من الكامل]

إن الرزية لا رزية مثلها ... فقدان مثل محمد ومحمد

ملكان قد خلت المنابر منهما ... أخذ الحمام عليهما بالمرصد (١)

ويقال: إنه استدعى في مرض موته منجما، فسأله: هل ترى في علمك ملكا يموت؟ فقال: نعم، ولست هو، قال: ولم؟ قال: لأن الذي يموت اسمه كليب، فقال: والله؛ بذلك سمتني أمي، فأوصى عند ذلك.

ويقال: إن الحجاج خطب يوما، فقال في أثناء كلامه: أيها الناس؛ إن الصبر عن محارم الله أهون من الصبر على عذاب الله، فقال له رجل: ويحك يا حجاج، ما أصفق وجهك وأقل حياءك، فأمر به فحبس، فلما نزل عن المنبر .. دعا به وقال له: لقد اجترأت عليّ، فقال: أتجترئ على الله فلا ننكره، ونجترئ عليك فتنكره؟ ! فخلى سبيله.

ومات الحجاج وهو ابن أربع وخمسين سنة، ولي العراق منها عشرين سنة، وترك في بيت المال مائة ألف ألف درهم وبضعة عشر ألف درهم، وكان خراج العراق حين وليها مائة ألف ألف درهم، فلم يزل ينقص بجوره حتى مات وخراجه خمسة وعشرون ألف ألف، وقيل: مائة وعشرون ألف ألف، وقيل: مات وقد قتل مائة وعشرين ألفا صبرا سوى من مات في عسكره، ومات في حبسه ثمانون ألفا: خمسون ألف رجل، وثلاثون ألف امرأة، وكان الحجاج ولى يزيد بن أبي كبشة السكسكي الحرب والصلاة على المصرين البصرة والكوفة، ويزيد بن مسلم خراجهما، فأقرهما الوليد بعده، والله أعلم.


(١) البيتان في «ديوانه» (١/ ١٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>