للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو شبيب الصدفي: لم يسمع في الإسلام بمثل سبايا موسى بن نصير.

وحصل في البلاد قحط شديد، فأمر الناس بالصوم والصلاة وإصلاح ذات البين، وخرج بهم إلى الصحراء ومعه سائر الحيوانات، وفرق بينها وبين أولادها، فوقع الصراخ والبكاء والضجيج، وأقام على ذلك إلى منتصف النهار، ثم صلّى وخطب بالناس، ولم يذكر الوليد بن عبد الملك، فقيل له: ألا تدعو لأمير المؤمنين؟ قال: هذا مقام لا يدعى فيه لغير الله، فسقوا.

فلما تقررت له القواعد .. كتب إلى مولاه طارق وهو بطنجة وأمره بغزو بلاد الأندلس، فصعد طارق إلى جبل يعرف اليوم بجبل طارق؛ لأنه نسب إليه لما حصل عليه.

وذكر عن طارق: أنه كان نائما في المركب وقت التعدية، وأنه رأى النبي صلّى الله عليه وسلم والأربعة الخلفاء رضي الله عنهم يمشون على الماء حتى مروا، وبشره النبي صلّى الله عليه وسلم بالفتح، وأمره بالرفق على المسلمين، والوفاء بالعهد.

وكان صاحب طليطلة ومعظم بلاد الأندلس ملك يقال له: لذريق، ولما نزل طارق من الجبل بالجيش .. كتب نائب لذريق إليه كتابا وقال: إنه قد وقع قوم بأرضنا لا ندري من السماء هم أم من الأرض، فأقبل في سبعين ألف فارس، ومعه العجل يحمل الأموال والمتاع، وهو على سريره بين دابتين، عليه قبة مكللة بالدر والياقوت والزبرجد، فلما دنا من طارق وعسكره .. قال طارق لمن معه: أين المفر والبحر من ورائكم والعدو من أمامكم؟ ! فليس لكم والله إلا الصدق والصبر، وليس لكم وزير إلا سيوفكم، فلما التقوا ..

حمل طارق على سرير لذريق وقد رفع على رأسه رواق ديباج يظله، وهو في غاية من البنود والأعلام وبين يديه المقاتلة والسلاح، وحمل أصحاب طارق، فتفرقت المقاتلة من يدي لذريق، فخلص إليه طارق، فضربه بالسيف على رأسه فقتله على سريره، فلما رأى أصحابه مصرع ملكهم .. اقتحم الجيشان، فكان النصر للمسلمين، ولم يزل طارق يفتح البلاد وموسى بن نصير قد التحق به إلى أن بلغ ساحل البحر المحيط.

فلما بلغ موسى بن نصير موت الوليد بن عبد الملك وتولية أخيه سليمان .. قصد سليمان بن عبد الملك في سنة سبع وتسعين، فحج سليمان تلك السنة بالناس، وحج معه موسى بن نصير، وتوفي موسى بوادي القرى في السنة المذكورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>