للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان خالد جوادا أيضا، يحكى: أنه دخل عليه شاعر يوم جلوسه للشعراء، وكان قد مدحه ببيتين، فلما رأى اتساع الشعراء في قولهم .. استصغر قوله فسكت حتى انصرفوا، فقال خالد: ما حاجتك؟ قال: مدحت الأمير ببيتين، فلما سمعت قول الشعراء ..

احتقرت بيتي، قال: وما هما؟ فأنشده: [من الطويل]

تبرعت لي بالجود حتى نعشتني ... وأعطيتني حتى حسبتك تلعب

فأنت الندى وابن الندى وأبو الن‍ ... دى حليف الندى ما للندى عنك مذهب

فقال له: حاجتك؟ قال: عليّ دين، فأمر له بقضائه، وأعطاه مثله.

وذكر الطبري في «تاريخه»: (أن هشام بن عبد الملك كتب إلى خالد: بلغني أن رجلا قام إليك فقال: إن الله جواد وأنت جواد، وإن الله كريم وأنت كريم إلى أن عد عشر خصال، فو الله؛ لئن لم تخرج من هذا .. لأستحلن دمك، فكتب إليه خالد: نعم يا أمير المؤمنين؛ قام إلي فلان وقال: إن الله كريم يحب الكريم، فأنا أحبك بحب الله إياك، ولكن أشد من هذا قيام ابن شقي الحميري إلى أمير المؤمنين فقال: خليفتك أحب إليك أم رسولك؟ فقال: بل خليفتي، قال: أنت خليفة الله ومحمد رسول الله، والله؛ لقتل رجل من بجيلة أهون على العامة والخاصة من كفر أمير المؤمنين) (١).

ثم إن هشاما عزل خالدا عن العراقين، وولى يوسف بن عمر ابن ابن عم الحجاج بن يوسف مكانه، وأمر بمحاسبة خالد وعماله، فحبس خالدا وعذبه بالحيرة منزل النعمان بن المنذر أحد ملوك العرب على فرسخ من الكوفة، يقال: إنه وضع قدميه بين خشبتين وعصرهما حتى انقصفتا، ثم إلى وركيه، ثم إلى صلبه، فلما انقصف صلبه .. مات، وهو مع ذلك لا يتأوه ولا ينطق، وكان يوسف بن عمر الثقفي قد جعل على خالد كل يوم حمل قدر معلوم من الدراهم، إن لم يقم به ذلك اليوم .. عذبه، وكان قد حصل من قسط يوم من الأيام سبعين ألف درهم، فدخل عليه أبو الأشعث العبسي إلى السجن وأنشده: [من الطويل]

ألا إن خير الناس حيا وميتا ... أسير ثقيف عندهم في السلاسل

لعمري لقد عمرتم السجن خالدا ... وأوطأتموه وطأة المتثاقل

لقد كان نهّاضا بكل ملمة ... ومعطي اللها غمرا كثير النوافل

وقد كان يبني المكرمات لقومه ... ويعطي اللها في كل حق وباطل


(١) «تاريخ الطبري» (٧/ ٢٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>