للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان يحيي نصف الليل، فسمع رجلا يقول لآخر: هذا أبو حنيفة لا ينام الليل، فقال:

والله؛ لا يتحدث عني بما لم أفعل، فكان يحيي الليل صلاة ودعاء وتضرعا.

رأى في المنام أنه ينبش قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فبعث من سأل ابن سيرين، فقال: صاحب هذه الرؤيا يبرز علما لم يسبقه إليه أحد.

قال الشافعي رحمه الله تعالى: من أراد أن يتبحر في العلم .. فهو عيال على أبي حنيفة.

وقيل لمالك: هل رأيت أبا حنيفة؟ قال: نعم؛ رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا .. لقام بحجته.

عرض عليه أمير العراقين يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري قضاء الكوفة أيام مروان بن محمد، فأبى فضربه مائة سوط وعشرة أسواط كل يوم عشرة أسواط دفعة، وهو مصر على الامتناع، فخلى سبيله.

نقله أبو جعفر المنصور من الكوفة إلى بغداد على أن يوليه القضاء فأبى، فحلف عليه ليفعلن، فحلف أبو حنيفة أنه لا يفعل، فقال الربيع بن يونس حاجب المنصور: ألا ترى إلى أمير المؤمنين يحلف؟ ! فقال أبو حنيفة: أمير المؤمنين على كفارة أيمانه أقدر مني على كفارة أيماني، وأبى أن يلي، فأمر به إلى الحبس.

وقال الربيع: رأيت المنصور يكلم أبا حنيفة في أمر القضاء وهو يقول: اتق الله، ولا ترع أمانتك إلا من يخاف الله، والله؛ ما أنا مأمون في حال الرضا، فكيف في الغضب؟ ! ولك حاشية يحتاجون إلى من يكرمهم لك، ولا أصلح لذلك، فقال له:

كذبت، أنت تصلح، قال: قد حكمت لي على نفسك، فكيف يحل لك أن تولي قاضيا على أمانتك وهو كذاب؟ !

وقيل: إنه لما ألح عليه وتهدد بالضرب .. قبل، فقعد في القضاء يومين لم يأته أحد، فأتاه في اليوم الثالث صفار يدعي على آخر درهمين وأربعة دوانق ثمن تور صفر (١)، فقال أبو حنيفة: اتق الله وانظر فيما يقول الصفار، فقال: ليس له علي شيء، فلما رآه مقدما على اليمين .. أخرج أبو حنيفة من كمه درهمين ثقيلين وقال للصفار: هذا عوض ما تقول لك عليه، ثم اشتكى أبو حنيفة بعد يومين، فمرض ستة أيام، ومات ساجدا سنة خمسين ومائة.


(١) أي: وعاء من نحاس.

<<  <  ج: ص:  >  >>