للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقال: إن سبب اشتغاله بالنحو أنه قرأ على شيخه في الحديث حديث: «ما من أصحابي أحد إلا ولو شئت أخذت عليه ليس أبا الدرداء» فقرأه سيبويه: ليس أبو الدرداء؛ ظنا منه أنها ليس الرافعة للاسم، فصاح عليه شيخه حماد: لحنت، ليس أبا الدرداء، فأنف من ذلك، وقال: لأطلبن علما لا يلحنني معه أحد، فخرج إلى البادية، وأخذ ذلك من أفواه العرب، وأخذ النحو عن عيسى بن عمر، ويونس بن حبيب، والخليل بن أحمد، وأخذ اللغة عن أبي الخطاب الأخفش وغيره.

وصنف كتابه المشهور، وقدمنا في ترجمة شيخه عيسى بن عمر أن سيبويه أخذ كتابه من أحد كتابي شيخيه (١).

قال المبرد: لم يقرأ أحد «كتاب سيبويه» عليه، وإنما قرئ بعده على أبي الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش، قيل: كان الأخفش أسن من سيبويه.

ووقع بينه وبين الكسائي اختلاف بحضرة يحيى بن خالد في قول العرب: كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي، أو فإذا هو إياها، قال سيبويه بالأول، وقال الكسائي بالثاني، فقال البرمكي: أنتما إمامان، ولا يمكن ترجيح قول أحدكما ورد الآخر، فقال سيبويه: اطلب العرب واستنطقهم، فمن نطقوا بمقتضى قوله .. كان الصواب معه، فقال: أنصفت، فيقال: إنه جعل للعرب أن ينطقوا بما قاله الكسائي؛ لكونه مؤدب أولاد الرشيد، فقالوا: لا يمكننا النطق بغير الصواب، فاتفقوا على أن يسألوا على أن فلانا قال كذا، وفلانا قال كذا، فتقول العرب: الصواب مع الكسائي، ففعلت ذلك العرب، فصاح سيبويه: استنطقوهم بذلك، وانفض المجلس، فتعب من ذلك، ويقال: إنه كان سبب موته.

فتوفي سنة إحدى وستين ومائة-قال: ابن دريد: بشيراز، وقال ابن قانع: بالبصرة- وعمره ثمان وثلاثون سنة (٢).

وقيل له في مرضه الذي مات فيه: ما تشتهي؟ فقال: أشتهي أن أشتهي، قال الشيخ اليافعي: (كأنه أشار إلى أن المرض حال بينه وبين الشهوات) (٣).


(١) انظر (٢/ ١٦٨).
(٢) في تاريخ وفاته أقوال، رجح الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (٨/ ٣٥٢) أنه توفي سنة (١٨٠ هـ‍).
(٣) «مرآة الجنان» (١/ ٣٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>