للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا أبت، فلما وصل الكتاب إلى الفضل .. لم يفارق المسجد نهارا إلى أن انصرف عن عمله.

وأما جوده البالغ، وسخاؤه المفرط .. فأشهر من أن يذكر، من ذلك: أنه قال له حاجبه: بالباب رجل يزعم أن له سببا يمت به إليك، قال: أدخله، فأدخله فإذا هو شاب حسن الوجه، رث الهيئة، فسلم، وأومأ إليه بالجلوس فجلس، فقال له بعد ساعة:

ما حاجتك؟ قال: أعلمتك بها رثاثة ملبسي، قال: فما الذي تمت به؟ قال: ولادة تقرب من ولادتك، وجوار يدنو من جوارك، واسم مشتق من اسمك، فقال الفضل: أما الجوار .. فيمكن، وقد يوافق الاسم الاسم، ولكن ما علمك بالولادة؟ قال: أخبرتني أمي أنها لما ولدتني .. قيل لها: ولد هذه الليلة ليحيى بن خالد ولد، وسمي الفضل، فسمتني أمي فضيلا؛ إكبارا لاسمك أن تلحقني به، وصغّرته؛ لقصور قدري عن قدرك، فتبسم الفضل وقال: كم أتى عليك من السنين؟ قال: خمس وثلاثون سنة، قال: صدقت، هذا المقدار الذي أعد، فما فعلت أمك؟ قال: ماتت، قال: فما منعك من اللحاق بنا مقدما؟ قال: لم أرض نفسي للقائك؛ لأنها كانت فيّ عامية معها حداثة تقعدني عن لقاء الملوك، وعلق هذا بقلبي منذ أعوام، فشغلت نفسي بما يصلح للقائك حتى رضيت نفسي، قال:

فما يصلح له؟ قال: الكبير من الأمر والصغير، قال: يا غلام؛ أعطه لكل عام مضى من سنه ألف درهم، وأعطه عشرة آلاف درهم يحمل بها نفسه إلى وقت استعماله، وأعطه مركوبا سريا.

ومن مستغربات تقلب الدنيا: ما حكى محمد بن يزيد الدمشقي قال: دعاني ليلة الفضل بن يحيى، فدخلت بمكان واسع فيه جمع كثير من أهل الدولة، وفيهم والده وأخوه جعفر، فأخرج مولود من باب على يمين الفضل وكانت ليلة سابعه، ولا علم لي، فأقبلوا يقرءون ومجامر الند تختلف عليهم، والشماع المعنبرة تضيء بأيدي الخدام، فلما فرغوا من القراءة .. قام الشعراء كل يهنيه بطلعته، ويبشره برؤيته، فنثرت عليهم الدنانير مطيبة


(٢) - حتى إذا الليل أتى مقبلا واستترت فيه وجوه العيوب فكابد الليل بما تشتهي فإنما الليل نهار الأريب كم من فتى تحسبه ناسكا يستقبل الليل بأمر عجيب غطى عليه الليل أستاره فبات في لهو وعيش خصيب ولذة الأحمق مكشوفة يسعى بها كل عدو رقيب

<<  <  ج: ص:  >  >>