للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

راعتك راعية البياض بعارضي ... ولو انها الأولى لراع الأسحم

يقول: راعتك الشعرة البيضاء في عارضي, ولو أنها أول ما يظهر في العذار من الشعر, وكان الأمرد تخرج لحيته وهي بيضاء ثم تسود إذا طعن في السن لكان السواد يروعها كما يروعك البياض. وإنما السبب في كراهة الشيب أن إذا ظهر علم أن الإنسان قد أنفد سنين كثيرةً وأن شبابه قد ذهب. والأشبه بمعنى الشعر أن يقال: رائعة فتكون فاعلةً من الروع أي الفزع, والناس يروونها: راعية البياض, ويقولون: بدت راعية الشيب في رأسه؛ أي أول شعرة؛ يريدون أنها مخالفة لون الشعر فكأنها راعية بيضاء في معزٍ سودٍ. وفي نوادر ابن الأعرابي: [البسيط]

أهلًا براعيةٍ للحلم داعيةٍ ... تنعى الشباب وتنهانا عن الغزل

أما الشباب فقد وفاك عقبته ... وعقبة الشيب تستوفى مع الأجل

وقوله:

لو كان يمكنني سفرت عن الصبى ... فالشيب من قبل الأوان تلثم

يقول: عجل على الشيب, وعمري يوجب أن يكون شعري أسود؛ فلو كنت أقدر لسفرت عن الصبى؛ أي كشفت الشيب عنه لأنه ظلمني وجاءني في غير أوانه, فلو سفرت وكان ذلك في قدرتي لعلم أني حديث السن؛ لأن الشيب قبل الأوان كاللثام يستر الشباب. وقد ذكرت الشعراء ظهور المشيب من قبل أن يطول العمر, وهذا الشعر ينسب إلى ابن المعتز: [الطويل]

وقائلةٍ غط المشيب بخضبه ... فقلت لها: هيهات لم يأن ذا الوقت

سأتركه حتى يرى الناس ظلمه ... وأخضبه من بعد خمسين إن عشت

ويروى له أيضًا: [الخفيف]

شعرات في الرأس بيض ودعج ... حل رأسي جيشان روم وزنج

<<  <   >  >>