للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التسمية الأولى: العقيدة]

فأما تسمية هذا العلم بالعقيدة، فليس مقصود المسمِّين به من علماء السنة والجماعة: أن هذا العلم هو عبارة عن المسائل التي محلها القلب ولا صلة لها بالعمل، وهي ما قد يسمَّى في اصطلاح بعض المصطلحين بالمسائل العلمية، التي يقابلها المسائل العملية.

فلا يُعلم أن أحداً من علماء السنة المعروفين سمَّى هذا العلم بالاعتقاد على هذا المراد، ومن هنا نجد أن الذين يشرئبون أحياناً على بعض كلام أهل العلم رحمهم الله، يقولون: إن تسمية العلماء لهذا الباب بعلم العقيدة، أو بالاعتقاد، لا أصل لها في الكتاب والسنة.

ولا شك أن هذا الاعتراض اعتراض ساقط؛ لأن هذه التسمية هي من باب الترتيب العلمي، الذي بُني على مقصود صحيح.

فإن من نطق بكلمة الاعتقاد، إما أن يريد: أن هذا العلم -علم الاعتقاد- هو علم المسائل العلمية، ويخرج بذلك المسائل العملية، فعلى هذا المراد -إذا أخرج المسائل العملية من جملة هذا الأصل- لا تكون التسمية مناسبة؛ لأن ثمة مسائل علمية محلها القلب، وهي ليست من مسائل أصول الديانة الكبرى؛ كاختلاف أهل السنة: هل المنافقون والكفار يرون ربهم يوم القيامة، أم لا يرونه؟ فهذه المسألة مسألة علمية محلها القلب، ومع ذلك فليست من مسائل الأصول.

وكذلك ثمة مسائل عملية وهي مع ذلك تعد من مسائل أصول الدين؛ كالصلوات الخمس، فإنها مسألة عملية.

إذاً: من نطق بهذه التسمية من أهل السنة والجماعة، ليس مقصودهم: أنه علم بالعلميات المجردة عن العمل، بل إن التحقيق: أن مفهوم الإيمان عند أهل السنة والجماعة: أنه تلازم بين العلم والعمل، ولذلك يقولون: الإيمان قول وعمل.

فما مقصود من تكلم بهذه التسمية من أهل العلم إذاً؟

مقصودهم: أن ما سموه اعتقاداً، أو ما جعلوه من المسائل من باب العقائد، هو من باب أنها أمور لازمة في القلب، أي: أن القلب عقد عليها وجزم بها، كما في قول الله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [البقرة:٢٢٥] فما كان من اليمين عقده القلب وجزم به، فإنه يكون لازماً.

إذاً: تسمية هذا العلم بهذا الاسم من باب أنه أمور عقدها القلب، وجزم بها، وعزم عليها؛ لبيانها وظهورها في الكتاب والسنة، وعليه؛ تكون هذه التسمية تسمية سائغة.

<<  <  ج: ص:  >  >>