للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"مختصر تاريخه": الوجيه الرئيس العالم، رضي الله عنه.

وقال الخَطِيب: سمعت البرقاني يقول: حدّثنا الرئيس أبو عبد الله محَمَّد بن العباس العصمي، وكان تليق به الرئاسة؛ لأنّ ملك هراة كان تحت أمره لقدرته وأبوته. وقال أبو النضر الفامي لابن أبي ذهل: "صحيح" خرَّجه على "صحيح البخاريّ" وتفقه ببَغْدَاد، ولم يجتمع لرئيس بهراة ما اجتمع له من السيادة.

وقال الحاكم في "تَارِيخه": كان يعاشر الصالحين، وأماثل الفقهاء من أئمة الدِّين، ويفضل عليهم إفضالًا يبين أثره، كان يضرب له دنانير، وزن الدّينار منها مثقال ونصف، أو أكثر، فيتصدق بها، ويقول: إنِّي لأفرح إذا ناولت فقيرًا كاغدة، فيتوهم أنّه فضة، فإذا فتحه فرأى صفرته فرح، ثمّ إذا وزنه فزاد على المثقال فرح أيضًا، ولقد صحبته حضرًا وسفرًا فما رأيت أحسن وضوءًا ولا صلاة منه، ولا رأيت في مشايخنا أحسن تضرعًا وابتهالًا في دعواته منه، وكان الأكابر من أئمة عصره يثنون عليه، ويصفونه بخصال الإيمان، مثل الورع الصادق، والسخاء، وحسن الخلق والتواضع، والإحَسَّان إلى الفقراء. قيل لي: إنَّ عشر غلَّته تبلغ ألف حمل، وحدثني أبو أحْمَد الكاتب أنّ النسخة بأسامي من يَمونُهم تزيد على خمسة آلاف بيت، وقد عرضت عليه ولايات جليلة، فأبى، وكانت له غَلَّة كثيرة، لا يدخل داره إِلَّا دون عشرها، والباقي يفرِّقه على المستورين، وسائر المستحقين، حتّى إنَّ جماعة من أهل العلم لم يكن لهم قوت إِلَّا من غلته، وحكي عنه أنّه قال: ما مسَّت يدي دينارًا ولا درهمًا منذ ثلاثين سَنَة، هذا مع كثرة أمواله وصدقاته. وقال الخَطِيب: كان ثبتًا ثقة نبيلًا رئيسًا جليلًا، من ذوي الأقدار العالية، وله إفضال بيِّن على الصالحين، الفقهاء، والمستورين. وقال ابن الصلاح: كان -رحمه الله- رئيسًا، كثير المحاسن، صدرًا، عالمًا، معروف المزاين. وقال الذَّهَبِي: الإمام الحافظ الأنبل، رئيس خراسان، كان إمامًا نبيلًا، وصدرًا معظمًا، كثير الأموال والبذل للمحدِّثين والأخيار.

ولد سَنَة أربع وتسعين ومائتين، ثمّ استشهد بنيسابور لتسع بقين من صفر سَنَة ثمان وسبعين وثلاثمائة، وكان دخل الحمام، فلما خرج لبس قميصًا ملطَّخًا بالسم، فلما أحس

<<  <   >  >>