للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتخفيفها بالتسهيل أو الإبدال بأحد حروف العِلّة فالتحقيق لغةُ تميمٍ وقَيْس، وهو الأصل. والتخفيف لغة قُرَيْش وأكثر الحجازيين على ما قاله شيخ الإِسلام في (شرح الشافية) قال: "ومعلومٌ أن لغة قريش أفصح اللغات، فلذا كان الكَتْب على لغتهم أَوْلى، لاسِيَّما وقد جَرَى عليها رَسْم المصحف" اهـ. (١) ومثله في (الهَمْع) عن أبي حَيّان (٢) أي فيكون الكَتْبُ على لغة التخفيف أَوْلى لوجهين: كونها لغة قريش، واتِّباع المصحف.

ولهذا كان أكثر الصحابة ومَن وافَقَهم من التابعين وأتباعهم يوافقون الرسم المُصْحفى في كل ما كتبوه ولو لم يكن قرآنًا ولا حديثًا، ويكرهون خلافَهُ، ويقولون: لا نخالف "الإِمام" يريدون بذلك المصحف الذي كُتِبَ بأمر الإِمام عثمان، فإِنهم كانوا يسمونه "الإِمام" من حيث اتباعه رَسْمًا وغيره.

واستمر الأمر على ذلك إِلى أن ظهر علماء المِصْرَيْن (٣) وأسسوا لهذا الفن ضوابطَ وروابط بَنَوْهَا على أَقْيِسَتِهم النحوية وأصولهم الصرفية، وسموها: "علم الخط القياسى" أو "الاصطلاحى" المخترع، وسمُّوا رسم المصحف "بالخط المتَّبع"، وقالوا: إِن رسمه سُنَّة مُتَّبعة مقصورة عليه، فلا يُقاس، ولا يُقَاس عليه. ومثله من حيث عدم القياس: خطُّ العَرُوضِيّين، ولذا قيل: خَطَّان لا يُقاسان. فتحصَّل أن الخطوط ثلاثة:


(١) شرح الشافية لابن الحاجب مفقود حسب علمي وقد نقل منه الهوريني في مواضع كثيرة وهناك شرح لرضى الدين الاستراباذى على متن الشافية، وهو مطبوع، ورجعت إِليه في بعض المواضع المشار فيها إلى شرح الشافية لابن الحاجب.
(٢) همع الهوامع جـ ٦ ص ٣١١ وعبارته: "قال أبو حيان: والكُتَّابَ بنوا الخط في الأكثر على حسب تسهيلها (يعني: تسهيل الهمزة) لوجهين أحدهما: أن التسهيل لغة أهل الحجاز، واللغة الحجازية هى الفصحى فكان الكتْب على لغتهم أولى. والثانى: أنه خط المصحف، فكان البناء عليه أولى، مع أن القياس يقتضيه".
(٣) أي البصرة والكوفة.

<<  <   >  >>