للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكنه ويا للأسف أذهبت هذه الآمال أدراج الرياح، فكان يفكر منذ اللحظة الاولى التي تولى فيها الحكم كيف يقمع الثورة الجزائرية بالقوة، أو الانتهاء منها في أسرع وقت ممكن بعد ما أحرز لنفسه على موافقات الدستور وسلطات واسعة فحشد أقصى ما يمكن من قوة حربية وجابه بها الثورة ليستأصل شأفتها ويقضى عليها تماما حتى يفرض الحل الذى يريده للشعب الجزائري.

ولهذا لما تسلم الحكم فبدلا من أن يعترف بالاستقلال الذي تكون فيه بالطبع حقوق الجالية الأوربية مضمونة، بالأقل يتفاوض مع قادة جبهة التحرير على خطة ما ترضي الطرفين لتكون العلائق مع فرنسا حسنة فهذا وحده فقط يجعل للأحزان والآلام التي تسلطت على هذا الشعب منذ الاحتلال والدماء تسيل، ولكنه قرر الاستمرار في الحرب، وزاد في قوة الجيش، وفرض عليه أن يسكن في قمم الجبال، وكان يكثر الاجتماعات مع قادة الجيش لدراسة خطط الحرب دراسة دقيقة على الخرائط ودراسة طبيعة الأرض التي يدور فيها القتال، وكان بين آونة وأخرى يأتي الى الجزائر ليتفقد الجند، وصمم على أن يقف في وجه الثورة موقفا إيجابيا وحازما فاستعمل كل ما يملك من قوة ودهاء، وكان سلاحه ذا حدين فيبرق ويرعد عن الثورة، ولكن هيهات أصبح الشعب لا ينخدع بالوعود الكاذبة بل ازداد ثقة بنفسه وبثورته العارمة وتمسكا بقيادته واتحادا في صفوفه. وضاعف صبره على العذاب الذي أفرغ على أم رأسه ...

وكان هذا القائد يرى نفسه فوق أقطاب العالم سياسة ودهاء وتقدما، ويرى فرنسا هي أم الحرية والديمقراطية في العالم، ولهذا منع كل من أراد أن يتوسط في حل القضية من الدول المحبة للسلام منعا باتا، ولم يقبل أي نصيحة من أي انسان كان، ولم يعترف بأن هذه القضية خارجة عن نطاق فرنسا ...

كان العالم ينتظر من هذا الجنرال أن يحل القضية، ولكنه كان مشغولا بمواصلة المعارك وتخطيط البرامج، وتجهيز الجزائر اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا لتحسين أحوال السكان وزيادة الانتاج والعتاد الحربي في فرنسا، والحلف الأطلسي يشد أزره ويؤيده في محاربة الثوار ...

<<  <   >  >>