للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وها نحن نشاهد أن للعرب صورة واحدة من وقائع كثيرة من عصور الظلام والانحطاط التي سقطت فيها الأمة العربية من عليائها، فتغلبت عليهم الأمراض الفتاكة التي تفتك بالمجتمعات كحب الرئاسة، والأنانية الفردية الطاغية، والاستبداد في الآراء والحكم وتقديم المصلحة الخاصة على غيرها يبدو لي أن هذه الخصال المذمومة التي تهدم ولا تبنى، وتفرق ولا تجمع أصبحت فاشية في الحكومات العربية، ولا يقضى عليها الا الدين الحنيف، ومن هؤلاء الحكام لا يستجيبون له. فهذه الأعراض عن الاسلام أصبحت تقليدا ثابتا في نفوس حكام المسلمين مع أنهم ينتسبون اليه، ويدعون المقدرة على تطبيقه وتنفيذه.

بدأ الشباب المسلم - من بعد الاستقلال يتنكر للدين، ويطعن فيه جهارا وأصبح يشكك الناس في شخصية الرسول الأعظم صلوات الله عليه وسلامه ويقول: ان التمسك بالإسلام رجعي، والحفاظ على أحكامه، وأخلاقه وآدابه تأخر وهمجية وأطلق هذا الشباب الملحد العنان لشهواته الجامحة التي لا تعرف الحدود ولا القيود، فأباح جميع المحرمات التي تغرى النفوس، وتقدف في الأفواه، وصار لا غيرة له على محارمه يفعل كما تفعل المجتمعات الاباحية، وتحلل من كل ما يأمر به الدين الحنيف، وصار يسبح في المتناقضات، ويخبط في متاهات لا أدرى أين يسير؟ أيسير الى الشرق أم الى الغرب؟ الا أنه لا يسير الى الاسلام، وهذه التناقضات جاءته من مخلفات الاستعمار التي تركها من ورائه، وأصبح يغذى فيها من وراء البحار بواسطة الاذاعات والجرائد والمجلات والكتب، الاستعمار لا يعتمد على الغزو العسكري فحسب، بل يعتمد على وسائل أخرى هي أعظم وأشد خطرا من القوات العسكرية كالاقتصاد والثقافة، وإثارة الفتن وبث الشكوك في المعتقدات، ولكن المسلمين وولاة الأمور تركوا هذه الأمراض المزمنة تفتك بالناس فتكا شنيعا، ولم يعالجوها بقوانين الاسلام التي فيها الشفاء العاجل من بعد الاستقلال، بل عالجوها بقوانين الاستعمار نفسه، ولهذا تشجعت الشبيبة على التمرد على الدين واعنقت الكفر والالحاد،

<<  <   >  >>