للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على االناس وتوصيهم به (١).

إلا أن الروح الحرة لم تلبث أن انتصرت فَثَابَتْ الجامعة الأمريكية إلى نفسها ورأت، ولو بعد حين، وجه الصواب فتنازلت حينئذٍ عن رأيها الذي لم يكن من العلم في شيء، ولا من الحرية في شيء، ولا من الإنسانية في شيء.

لقد شاهدت الجامعة الأمريكية يقظة العرب على هذا التراب الطاهر في الشرق الأدنى، وشاهدت جميع الشرقيين والعرب يتجهون أفواجًا نحو هيكل العلم النبيل، في أفق يسع المشرق والمغرب ويسع الأديان كلها والألوان جميعها. فأي فضل للجامعة بعد ذلك إذا اعترضت هذا الموكب الفخم المهيب لتسوق جزءًا منه نحو الكنيسة البروتستانتية! أما حجتها فكانت أوهى من عملها. إنها احتجت بأن نفرًا من المتمولين الأمريكيين لا يعينون الجامعة بأموالهم التي جمعوها إلا إذا علموا بأنها تزيد عدد البروتستانت في الشرق. وهكذا حكمت الجامعة الأمريكية على نفسها بأنها مسوقة في تيار قوم آخرين، وأنها مستأجرة لتنفيذ رغبات لا تشرف صاحبها فضلاً عن منفذها.

• • •

على أن استغرابنا قد زاد عام ١٩٤٨ ولم ينقص. إن الجامعة الأمريكية تعترف بأنها بدأت تبشيرية ثم تخلت عن التبشير في عصر القومية الواسعة والتسامح العظيم والتعاون الشامل.

إلا أن الدكتور (ستيفن بنروز) - رئيس الجامعة الأمريكية السابق - قد أتى، مما هو ظاهر واضح في كتابه، بعقلية (دانيال بلس) لا بعقلية (بيارد ضودج) على الأقل: لَقَدْ جَاءَ مُبَشِّرًا لاَ مُعَلِّمًا. وَلَوْ أَنَّهُ جَاءَ مُعَلِّمًا لاَ مُبَشِّرًا لأرخ الجامعة الأمريكية في بيروت تأريخًا مختلفًا - من حيث الاتجاه والتوجيه على الأقل، لا من حيث المادة.

ولكننا نعود فنقول: إننا نحن نعرف الجامعة الأمريكية ونعرف الرجال العظام الذين نثرتهم في العالم العربي خاصة، فلا نحكم عليها بما فعل (دانيال بلس) ولا بما يقول (ستيفن بنروز). ولكننا كنا نود أن لو كان الذين تولوا أمر الجامعة أصدق في التعبير عن حقيقة أنفسهم وأبصر بمقام الجامعة الحقيقي.

لما صدر هذا الكتاب أثار ضجة شديدة في الجامعة الأمريكية خاصة. ولقد توجه


(١) Penrose ١٣٩

<<  <   >  >>