للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المُقَدَّسَةِ مِنْ أَيَدِي المُسْلِمِينَ المُتَعَصِّبِينَ، فَكَانَ عَهْدُ الحُروبِ الصَّلِيبِيَّةِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَرْوَعَ العُهُودِ فِي العُصُورِ الوُسْطَى كُلَّهَا ... وَلَكِنَّ ذَلِكَ الجَهْدَ قَدْ خَابَ، وَتَرَاجَعَتْ الحَمْلَةُ الصَّلِيبِيَّةُ أَمَامَ سُدُودٍ عَنِيدَةٍ مِنَ التَّعَصُّبِ الإِسْلاَمِيِّ».

ولكن (غاردنر) و (لطفي ليفونيان) قد كشفا عن حقيقة القضية ستارًا آخر، فقد قال (غاردنر) (١): «لَقَدْ خَابَ الصَّلِيبِيُّونَ فِي انْتِزَاعِ القُدْسِ مِنْ أَيْدِي المُسْلِمِينَ لِيُقِيمُوا دَوْلَةً مَسِيحِيَّةً فِي قَلْبِ العَالَمِ الإِسْلاَمِيِّ .. وَالحُروبُ الصَّلِيبِيَّةُ لَمْ تَكُنْ لإِنْقَاذِ هَذِهِ المَدِينَةِ بِقَدْرِ مَا كَانَتْ لِتَدْمِيرِ الإِسْلاَمِ». أما (ليفونيان) فيرى (٢)، وهو على حق، «أَنَّ الحُرُوبَ الصَّلِيبِيَّةَ كَانَتْ أَعْظَمَ مَأْسَاةٍ نَزَلَتْ بِالصِّلاَتِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ وَالنَّصَارَى فِي الشَّرْقِ الأَدْنَى. لَقَدْ أَحَبَّ الصَّلِيبِيُّونَ أَنْ يَنْتَزِعُوا القُدْسَ مِنْ أَيْدِي المُسْلِمِينَ بِالسَّيْفِ لِيُقِيمُوا لِلْمَسِيحِ مَمْلَكَةً فِي هَذَا العَالَمِ. إِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُقِيمُوا تِلْكَ المَمْلَكَةِ، وَلَكِنَّهُمْ تَرَكُوا بَعْدَهُمْ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ».

خابت دول أوروبا في الحروب الصليبية الأولى من طريق السيف فأرادت أن تثير على المسلمين حربًا صليبية جديدة من طريق التبشير، فاستخدمت لذلك الكنائس والمدارس والمستشفيات، وفرقت المبشرين في العالم (٣). وهكذا تبنت الدول حركة التبشير لمآربها السياسية ومطامعها الاقتصادية. ولقد استطاع (رامون لل) في عام ١٢٩٩ وعام ١٣٠٠ للميلاد أن يحصل على إذن (الملك يعقوب) صاحب " أرغونة " ليبشر في مساجد برشلونة مُحْتَمِيًا بالسلطة المسيحية في إسبانيا (٤).

وجهدت الكنيسة زمنًا طويلاً لتنصير المغول. فلما اعتنق المغول الإسلام من تلقاء أنفسهم زال أمل كبير من آمال الدول الغربية للسيطرة على الشرق من طريق الدين (٥).

من أجل ذلك كانت جميع الحروب الأوروبية التي شنت فيما بعد على الدولة العثمانية حروبًا دينية صليبية في أساسها (٦). ثم إن هذه العقلية الدينية استمرت إلى العصور الحديثية على الرغم من جميع أوجه التقدم الإنساني والتطور العقلي في البشر. لم يخجل اليسوعيون من معالجة هذه النقطة بأسلوب زَاهٍ لَمَّاعٍ. إنهم قالوا (٧): «أَلَمْ نَكُنْ نَحْنُ وَرَثَةُ الصَّلِيبِيِّينَ، أَوَ لَمْ نَرْجِعْ تَحْتَ رَايَةِ الصَّلِيبِ لِنَسْتَأْنِفَ التَّسَرُّبَ التَّبْشِيرِيَّ وَالتَّمْدِينَ المَسِيحِيَّ وَلِنُعِيدَ، فِي ظِلِّ


(١) Gairdner ٩, ٢٢١
(٢) Levonian ١٢٤
(٣) Richter ١٤
(٤) Addison ٤٦
(٥) Addison ٥٩
(٦) Richter ٢١
(٧) Les Jésuites en Syrie ١٠ : ٨

<<  <   >  >>