للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العَلَمِ الفِرَنْسِيِّ وَبِاسْمِ الكَنِيسَةِ، مَمْلَكَةَ المَسِيحِ؟».

لم يكن لنا بد من ذكر هذه الفقرات تمهيدًا للبحث المقبل، ولقد اجتزأنا بهذه فقط تجنبًا لكل إثارة مما تحفل به كتب المبشرين وكتب نفر من المستشرقين والمؤرخين من الغربيين.

التَّبْشِيرُ وَالنُّفُوذُ الأَجْنَبِيُّ:

لقد كانت تركيا على حق حينما بدأت، منذ أمد، ترتاب في حركات التبشير في امبراطوريتها، ولا غرو فالمبشر يسبق الجيش إلى كل مكان. ولذلك أخذت تركيا تراقب المبشرين مراقبة دقيقة حتى تضيق عليهم (١). وكان الأتراك يرتابون خاصة بالمبشرين البروتستانت، لأن هؤلاء كانوا يتوارون وراء العلم البريطاني في الأكثر (٢)، وبالمبشرين اليسوعيين لأنهم يعملون للسياسة الفرنسية أيضًا. وكذلك لما تشعبت مطامع الدول في شبه جزيرة العرب جعلت تركيا تحول بين المبشرين وبين بلاد العرب (٣)، كما أنها كانت تقاوم المبشرين في البلاد التركية نفسها (٤). ثم وقفت من المبشرين كلهم موقفًا حازمًا فألقت في سبيلهم العراقيل وعزمت على ألا يصيبوا نجاحًا. وهكذا أصبح التبشير بين المسلمين في الإمبراطورية العثمانية مستحيلاً، للرقابة الشديدة التي فرضتها الحكومة على المبشرين. وبعد أن فتحت الجمعية التبشيرية بضع مدارس (في لبنان) لأطفال الدروز نحو عام ١٨٧٥ اضطرت إلى التخلي عنها أمام حزم الحكومة العثمانية وسهرها (٥).

على أن الحكومة العثمانية لم تستطع أن تتخذ سياسة علنية تجاه المبشرين، ذلك لأن هؤلاء كانوا يأتون في الظاهر كرعايا إنجليز أو أمريكيين أو دانماركيين أو فرنسيين. فإذا استقروا في البلاد أخذوا يقومون بالتبشير سِرًّا ما أمكنهم. ولذلك كان هؤلاء كلما وجدوا مراقبة وسهرًا من الدولة العثمانية لجأوا إلى قناصلهم، وكان القناصل يدافعون عنهم كرعايا أجانب في الظاهر أيضًا. ففي آب من عام ١٨٤١ حينما أرادت الدول الأجنبية أن تخرج إبراهيم باشا من سورية بالقوة وعزمت على ضرب بيروت من البحر، أرسلت الولايات المتحدة سفينة حربية صغيرة اسمها " سيان " (٦) حملت على ظهرها المبشرين إلى " لاَرْنَقَا " في


(١) Jessup ٦٢٥ et Passim
(٢) cf. Bliss R ٣١٩
(٣) Jessup ٦١٢
(٤) Addison ١٠٧ ff
(٥) Richter ٢٣٩, ٢٤٩
(٦) Cyane

<<  <   >  >>