للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جزيرة قبرص، وبعد أن انتهى ضرب بيروت وخرج إبراهيم باشا من سورية أعادت الولايات المتحدة مبشريها إلى أماكنهم السابقة في تشرين الأول من السنة نفسها (١).

ولما أدركت الدول الأوروبية أن المبشرين آلة فعالة لتأييد النفوذ الأجنبي في الإمبراطورية العثمانية أخذت تلك الدول تتبارى في استخدام المبشرين، وكان الدور الأول في ذلك للسياسة الإنجليزية (٢). ويظهر أن إنجلترا لم تكن ترهب نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الإسلامي، كما كانت ترهب النفوذين الفرنسي والإيطالي فيه (٣).

ولما فقدت تركيا إمبراطوريتها لم تفقد سياستها الحكيمة تجاه المبشرين، فقد ظلت تمنع الأطفال من دخول مدارس المبشرين قبل أن ينهوا التعليم الابتدائي في المدارس الرسمية. ثم هي كانت توجب أن يكون التعليم الديني في تلك المدارس قاصرًا على المسيحيين وحدهم. أما الآن فمدارس التبشير قد زالت من تركيا ومن سورية أيضًا ومن مصر والسودان. (٤)

ولما بدأت الإمبراطورية العثمانية تضعف مع الأيام أخذت الدول الأجنبية تزيد في تظاهرها بدعم المبشرين. ولقد كان المبشرون يطلبون من دولهم أن تؤيدهم، ولو كان هذا التأييد مخالفًا للعرف الدولي. إن للولايات المتحدة شرعة تسمى (شرعة مونرو) تنص على أن دول نصف الكرة الشرقي (آسيا وأوروبا وأفريقيا) لا يجوز لها أن تتدخل في شؤون نصف الكرة الغربي (أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية). وكذلك لا يجوز للولايات المتحدة أن تتدخل في شؤون الدول الواقعة في النصف الشرقي من الكرة الأرضية ما لم تتعرض المصالح الأمريكية للضياع (٥). ولكن المبشرين الأمريكيين كانوا يودون من الولايات المتحدة أن تخالف (شرعة مونرو) في سبيل التبشير (٦).

السِّلْكُ السِّيَاسِيُّ الأَجْنَبِيُّ يَحْمِي المُبَشِّرِينَ:

وليس من المستغرب أن تستجيب الدول الغربية لرغبة مبشريها، أليس في ذلك تأييد للنفوذ السياسي؟ من أجل ذلك كانت هذه الدول تضغط على الدولة العثمانية بين الحين


(١) Jessup ٥٩, ٦٠
(٢) Re-thinking Missions ١٦٥
(٣) Re-thinking Missions ١٦٤ - ٥ : Jessup ٢٢
(٤) Addison ١٠٨ f
(٥) Carlton J. H. Hayes. A Political History of Modern Europe, vol II, n. y. ١٩٣٤ pp. ٢٢٥ - ٦ etc
(٦) Bury ١٨٤, ١٨٦

<<  <   >  >>