للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نسخة منه إلى السير (هنري بلور) وزير بريطانيا المفوض في القسطنطينية. ولكن (بلور) وجد في هذا العمل المتسلسل على هذه الطريقة قلة لياقة فشكا (جسب) إلى قنصل أمريكا طالبًا نفي (جسب). ويتألم (جسب) لأن بريطانيا لا تُعْنَى بأن تمثل إمبراطوريتها تمثيلاً مسيحيًا لدى الباب العالي.

ومع أن طلب (جسب) لم ينفذ فإنه يدل على مبلغ اهتمام الدول الغربية بأمر قد يكون في مظهره تافهًا ولكنه عظيم الأهمية في مدلوله. لقد كانت الدول الغربية تناجز الإمبراطورية العثمانية من وراء الستار، من وراء مبشريها المنتشرين في جميع البلاد.

على أن المبشرين كانوا أحيانًا ينجحون في مسعاهم، فإن الخديوي إسماعيل باشا أراد أن يغلق مدارس المبشرين البروتستانت لأن هؤلاء كانوا يتدخلون في السياسة ويثيرون الاضطراب في البلاد ويزيدون مشاكل الحكومة. ولكن القنصليتين الأمريكية والإنجليزية أيدتا المبشرين وحملتا الحكومة المصرية على أن تتقيد بالخط الهمايوني (بالدستور العثماني) الذي ينص على احترام الحرية الدينية (١). هذا صحيح ولكن الدستور ينص على أن كل صاحب دين أو مذهب حر في أن يتمشى على قواعد دينه أو مذهبه كما يشاء، ولا ينص على أن لبعض الناس أن يحملوا الآخرين على تغيير دينهم بالقوة.

ولقد كان القناصل أنفسهم يعملون أحيانًا للتبشير. حاول المستر (سكين) (٢) قنصل إنجلترا في حلب، أن يسعى (عام ١٨٦٠) إلى تحضير البدو في بادية الشام ليتوصل من هذه السبيل إلى اجتذاب أبنائهم إلى النصرانية. وفي العام التالي تأسست في لندن جمعية للتبشير بين المسلمين ثم اتصلت بالمستر (سكين) في هذا الشأن، ولكن لم يكتب لها النجاح (٣).

وفي عام ١٨٨٨ أغلقت الدولة العثمانية مدارس المبشرين الأمريكيين، لأن هذه المدارس فتحت أبوابها بلا رخصة من الحكومة. ولكن المستر (بسنغر) (٤) قنصل أمريكا في بيروت والمستر (أسكار ستراوس) (٥) تدخلا في الأمر حتى سمح الوالي على رضا باشا بأن تعود تلك المدارس إلى فتح أبوابها، على ألا تقبل إلا التلاميذ المسيحيين. ولكن الوزير والقنصل ما زالا يسعيان حتى حملا الوالي على إلغاء هذا الشرط (٦). وهكذا كانت الدول الأجنبية


(١) Richter ٣٤٧
(٢) Skene
(٣) Richter ٢٠ and note
(٤) Bissinger
(٥) Oscar Straus ٥٣٣
(٦) Jessup ٥٣٣

<<  <   >  >>