للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وظل اليسوعيون يعملون بصمت في ثيابهم السود حتى جاء الانتداب الفرنسي فكشفوا القناع عن وجوههم (١)، وأخذوا يتشدقون بملء أفواههم، قالوا في كتابهم " المثنوي " (٢): «أَجَلْ، لَقَدْ كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى مُسَاعَدَةِ فِرَنْسَا الظَّافِرَةَ، وَالآنَ هَا هِيَ فِرَنْسَا هُنَا». إن فرنسا المنتدبة كانت تأتي إلى بلادنا بالموظفين الفرنسيين الذين يماشون اليسوعيين في سياستهم، وتخلق من موظفي بلادنا من يفعل مثل ذلك.

اليَسُوعِيُّونَ وَالمُفَوِّضْ السَّامِي الفِرَنْسِيُّ:

كان اليسوعيون لا يقيمون وزنًا للتنصير الفردي، بل كانوا يسعون إلى التنصير الإجماعي، ولذلك وجهوا اهتمامهم إلى بلاد العلويين للجهل الذي كان يخيم على تلك الربوع في ذلك الحين. ففي أول أيلول عام ١٩٢٥ (ذكرى إعلان لبنان الكبير) دعا المفوض السامي الفرنسي عددًا من الراهبات ليذهبن إلى " صافيتا " في بلاد العلويين. ويخون اليسوعيون كتمانهم فيقولون: إن هذه المؤسسة (مدرسة الراهبات في " صافيتا ") ستدعى يومًا إلى أن تلعب دورًا عظيمًا في التبشير الذي بدأ قبل أمد بين العلويين أو النُّصَيْرِيِّينَ (٣).ولم يكن اليسوعيون مازحين، فقد مثلوا هم، لا الراهبات، وبحراب الفرنسيين لا بالدعوة الصالحة، ما بَيَّتُوهُ: لقد جمعوا عام ١٩٣٠ نفرًا من العلويين في " جنينة رسلان " وحملوهم على أن يقروا بالمذهب الكاثوليكي (٤). ويبدو أن تبشيرًا كثيرًا في العالم قام على الحديد والنار، لاَ حُبًّا بالنصرانية التي تكره الحديد والنار، بل بالسياسة التي لا تعرف المثل العليا إلا وسيلة إلى منافعها المادية.

ويهمنا أن نعود الآن إلى المفوض السامي الفرنسي الذي بدأ هذه الحركة عام ١٩٢٥. إنه كان الجنرال (ساراي). والمشهور أن (ساراي) كان علمانيًا لا دينيًا، ومع ذلك فقد كان يحمي اليسوعيين. إن الجنرال (ساراي) كان في الحقيقة ينفذ خطة سياسية ولم يكن يعطف على حركة دينية إلا بمقدار ما تساعده هذه الحركة على إحكام خطته.


(١) cf. Dictionnaire Larousse, sous Jesuite : Personne Hypocrite
(٢) Les Jésuites en Syrie ١ : ٢٥, ٢٩
(٣) Les Jésuites en Syrie ١١ : ٢٧
(٤) cf. ibid. ١٠ : ٢٣ ss

<<  <   >  >>