للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفَصْلُ السَّابِعُ: السِّيَاسَةُ طَرِيقُ التَّبْشِيرِ:

٣ - الإِدَرَاةُ الأَجْنَبِيَّةُ فِي خِدْمَةِ التَّبْشِيرِ:

لقد أثمر التعاون بين السياسة والتبشير ثمرته الأولى وأخذت الأقطار الشرقية - التي لم تكن قد استعمرت من قبل - تسقط تحت النير الأجنبي وتخضع لإدارة أجنبية مباشرة.

إن هذه الإدارة الأجنبية لَمْ تُقْصِ الآنَ المُبَشِّرِينَ لأنها نالت حاجتها من جهودهم، بل زادت في تقريبهم (١). إن الحاجة إلى المبشرين لم تنته ولكنها أصبحت الآن أعظم ضرورة من ذي قبل: إن إدارة البلاد المغلوبة على أمرها تنفر من الخضوع بسرعة، ولذلك لم يكن بد من إخضاعها بطريقة مستترة بعيدة عن المظاهر العسكرية أو الرسمية على الأقل. ولم يكن لدى الدول الأجنبية أفضل من المبشرين الذين أصبحوا يفهمون البلاد وأهلها ويعرفون مداخل الأمور فيها وأهواء المتنفذين من رجالها. ولكن المبشرين لم يرضوا أن يفعلوا ذلك فقط، بل أرادوا أن يحققوا هم رغباتهم الظاهرة على الأقل حتى يتيحوا للدول أن تحقق جميع رغباتهم الحقيقية. كل هذا ونظر الدول الأجنبية متجه إلى نقطتين في الإمبراطورية العثمانية أضعفتهما القلاقل: مصر وجبل لبنان.

فِي صَمِيمِ التَّدَخُّلِ السِّيَاسِيِّ:

وقف المبشرون ورجال السياسة الآن وجهًا لوجه: أي الفريقين يجب أن يتقدم الآخر؟.

إن من المعروف في التاريخ أن المبشر كان يدخل البلاد ثم يأتي الجيش على أثره. ولكن المبشرين منذ القرن التاسع عشر أحبوا أن يتقدم الجيش أولاً، لأن ذلك يسهل مهمتهم. ولذلك كان


(١) بدأ تأليف هذا الكتاب قبل أن ينتهي الانتداب على بلادنا، وهذا المقطع إشارة إلى ذلك.

<<  <   >  >>