للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المستعمرة لا تهمها الناحية الدينية كعقيدة ولكن كوسيلة إلى غايتها. ولقد كان التبشير في السودان المصري مهمة صعبة، وكانت النتائج مستحيلة. ولذلك وجه المبشرون جهودهم نحو جنوبي السودان حيث يكثر الوثنيون. حتى الوثنيون لم يكونوا يقبلون على المسيحية، فكان عمل المبشرين من أجل ذلك قاصرًا على منع انتشار الإسلام في تلك البقعة الفسيحة من أفريقيا (١).

ولما لم تستطع الجمعيات التبشيرية أن تخطو في التبشير خطى منتجة، استعانت بالدول المستعمرة، فأعانتها تلك الدول المستعمرة في أماكن متعددة كالبحرين (٢) واليمن. وبعد أن استولى الإنجليز على عدن اتخذ المبشرون عدن مركزًا يرسلون منه نشراتهم التبشيرية إلى قلب بلاد العرب أو يخالطون القوافل ليبشروا في أهلها (٣). وكذلك فعل المبشرون في جزر الهند الشرقية، في جاوة وسومطرة وسواهما (٤).

أما روسيا القيصرية فكانت ذات أسلوب خاص بها مستمد من استبدادها. كانت روسيا في القرن التاسع عشر، وفي إبان استبدادها، تحمل المسلمين من رعاياها على التنصر بقوة السيف. فلما أعلنت الحرية الدينية في روسيا في السابع عشر من نيسان عام ١٩٠٢ عاد خمسون ألفًا إلى الإسلام وحملوا معهم عددًا آخر ممن لم يكونوا مسلمين قط (٥).

واستطار المبشرون فرحًا لما أصبح لبنان متصرفية بعد فتنة عام ١٨٦٠ وأصبح حكامه من النصارى الأوروبيين. قال (رشتر): «إِنَّ مُقَاطَعَةَ لُبْنَانَ لَتُغْتَبَطُ مُنْذُ عَامِ ١٨٦٢ بِحَاكِمٍ مَسِيحِيٍّ وَبِحُرِّيَّةٍ نِسْبِيَّةٍ (لِلْمُبَشِّرِينَ)». ثم لا يكتفي (رشتر) بهذا الفرح وهذا الاغتباط، بل يود أن توالي الدول الأجنبية تدخلها بالقوة كلما لزم الأمر توسيعًا لحركة التبشير بين المسلمين خاصة (٦).

ولم تكن نظرة (رشتر) خاطئة، فإن المتصرفين (حكام لبنان بعد فتنة عام ١٨٦٠) كانوا يشجعون التبشير. زار وفد من المبشرين، فيهم (دانيال بلس) " رئيس الكلية السورية الإنجيلية في بيروت " (الجامعة الأمريكية اليوم)، والدكتور (أدي)، و (دنيس)، و (جسب) وغيرهم، متصرف جبل لبنان (واصا باشا) في الثامن والعشرين من شهر شباط عام ١٨٨٨،


(١) cf. Milligan ٢٩
(٢) Richter ٢٧٦
(٣) Richter ٢٧٣ f
(٤) Islam and Missions ١٩٨
(٥) ibid. ١٩٦
(٦) Richter ٧٩

<<  <   >  >>