للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشرقية ما شاء لهما التهكم. ونال لبنان مِنْ هَذَا التَّهَكُّمِ أَمَرَّهُ، مع العلم بأن مؤلفي الكتاب كليهما نَالاَ من الإكرام في لبنان - بشهادتهما نفسهما - ما أدهشهما. قال المؤلفان (١): «وَعَرَفْنَا مَرَّةً، عَلَى مَائِدَةِ الصَّبَاحِ، فَتَاةَ رَائِعَةً مِنَ البِيئَةِ اللُّبْنَانِيَّةِ (مِنْ تِلْكَ الأُسَرِ الغَنِيَّةِ المُثَقِّفَةِ التِي تَرَبَّتْ فِي مَدَارِسِنَا وَالتِي تَتَزَوَّدُ بَأَزْيَائِهَا مِنْ بَارِيسَ وَتَصْطَافُ فِي فِرَنْسَا) ... وَجَهِدَتْ (هَذِهِ الفَتَاةُ) لِتُدْخِلَ السُّرُورَ عَلَى قُلُوبِنَا، اِبْتِغَاءَ سُرُورِنَا وَحْدَهُ، ثَمَّ خَصَّتْنَا يَوْمَيْنِ كَامِلَيْنِ بِسَيَّارَةٍ ظَلَّتْ تَحْتَ تَصَرُّفِنَا حَتَّى بَلَغْنَا الحُدودَ السُّورِيَّةَ. (وَقُلْنَا فِي مَجْمِعٍ: لَعَلَّهَا وَجَدَتْنَا) لَطِيفَيْنِ. فَأَجَابَنَا (رَيْمُونَ دَ) (٢)، وَهُوَ صَحَافَيٌّ لُبْنَانِيٌّ: " بِكُلِّ تَأْكِيدٍ، وَلَكِنَّكُمَا أَيْضًا فِرَنْسِيَّانِ "».

ولما تجولا في شوراع بيروت قالا (٣):

«إِنَّ لِجَادَّةِ الفِرَنْسِيِّينَ مَعْنَاهَا فِي بَيْرُوتْ. وَلَنْ نَخْشَى أَنْ يُصِيبَهَا مَا أَصَابَ شَوَارِعَنَا فِي سَايْغُونْ (٤). إِنَّ فِرَنْسَا لَمْ تَكُنْ فِي يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ مَحْبُوبَةً فِي لُبْنَانَ كَمَا أَصْبَحَتْ بَعْدَ أَنْ غَادَرْنَاهَا نَحْنُ ... وَبِاِنْتِهَاءِ الاِنْتِدابِ تَسَلُّمَ لُبْنَانُ اِسْتِقْلاَلَهُ وَكَأَنَّهُ هَدِيَّةٌ عَجِيبَةٌ. لَقَدْ نَسِيَ الدَّقائِقَ الحَرِجَةِ كَيْلاَ يَنْسَى التُّرَاثَ الذِي خَلَّفْنَاهُ لَهُ. وَمَا كَانَ ذَلِكَ يَسِيرًا. وَاِجْتَمَعْنَا حَوْلَ مَائِدَةِ (جُورْجْ نَقَّاشْ) مُدِيرُ جَرِيدَةِ " الأُورْيَانْ " (٥) بِأَحَدِ أَصْدِقَائِنَا اللُّبْنَانِيِّينَ القُدَمَاءَ، مِنَ الذِينَ اِلْتَقَيْنَا بِهِمْ فِي أَقْطَارِ العَالَمِ الأَرْبَعَةِ خِلاَلَ الأَعْوَامِ الأَخِيرَةِ، وَهُوَ (جُوزِيفْ حَ) مُدِيرُ الشُّؤُونِ الخَارِجِيَّةِ فِي بِلادِهِ فِي الوَقْتِ الحَاضِرِ (٦). وَفِي هَذَا الجَوِّ الهَادِئِ لَمْ نَسْتَطِعْ إلاَّ أَنْ نَسْتَعِيدَ ذِكْرَى (ثِقَةَ) مُتَبَادَلَةً نَبَتَتْ مُنْذُ سِنِينَ خَلَتْ حِينَمَا كَانَ وَزِيرًا مُفَوَّضًا فِي بْرُوكْسَالْ. لَقَدْ حَدَّثَنَا (فِي لِقَائِنَا هَذَا) عَنْ النِّزَاعِ الوِجْدَانِيِّ الفَاجِعِ الذِي يَنْتَابُ أَهْلَ جِيلِهِ. إِنَّهُ لَمَّا حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ فِرَنْسَا بِعُنْفٍ حِينَمَا كَانُوا يُكَافِحُونَ فِي سَبِيلِ اِسْتِقْلاَلِ بِلاَدِهِمْ، وَجَدُوا أَنَفْسَهُمْ (فَجْأَةً) بَلاَ ثِقَةٍ أُخْرَى، وَلاَ لُغَةٍ أُخْرَى، وَلاَ أُسْلُوبٍ مِنْ أَسَالِيبِ التَّفْكِيرِ سِوَى تِلْكَ التِي كَانُوا تَعَلَّمُوهَا فِي كُلِّيَّاتِنَا وَمَدَارِسِنَا».


(١) ص ٧٣.
(٢) «الدَّالْ» الفرنجية يمكن أن تقابل في العربية الدال أو الضاد.
(٣) ص ٧٤.
(٤) سايغون: مدينة في الهند الصينية التي طرد منها الفرنسيون فتبدلت شوارعها أسماء جديدة وأوجهًا جديدة.
(٥) (L'Orient (Beyrouth
(٦) يوم كان المؤلفان في سياحتهما.

<<  <   >  >>