للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جهاد الجزائر حتى انتهى مما يريد قوله.

هذه الهتافات كشفت لنا في تلك الليلة عن ناحية خطيرة من الحياة الحزبية في بلادنا. إن الذين يذهبون مذهب القومية في الحياة السياسية من العرب يسقطون الدين من حسابهم كثيرًا أو قليلاً. إن بعض القوميين لا يرون في الدين مقومًا من مقومات الحياة السياسية، بينما بعضهم الآخر يخاصمون الدين مخاصمة شديدة. والمقصود بالدين هنا الإسلام. وحجة هؤلاء القوميين أن البلاد العربية تضم مذاهب وأديانًا مختلفة، ففيها مسلمون ونصارى ويهود.

من أجل ذلك يقتضي للتعايش السياسي في البلاد العربية ألا يكون العنصر الديني في الحياة العامة بارزًا. على أن هذا شيء ونصب العداء للإسلام شيء آخر. وكذلك الدعوة القومية شيء، بينما الإنكار على غير القوميين أن يكون لهم رأي في الأمور العامة شيء آخر أيضًا.

هذا من الناحية النظرية. أما من الناحية العملية فإن العنصر الديني في جهاد الجزائر الحالي بارز جِدًّا. ولقد أعلن (غي موليه)، رئيس الوزارة الفرنسية، بأن الحركة الإسلامية التي تتسع في أفريقيا هي التي تهدد الإمبراطورية الفرنسية في المغرب. وكذلك أعلن (جورج بيدو) - الذي سبق له أن تولى وزارة الخارجية الفرنسية: «أَنَّهُ لَنْ يَتْرُكَ الهِلاَلَ يَتَغَلَّبَ عَلَى الصَّلِيبِ» (١). ويقول الكاتبان (كوليت) و (فرانسيس جانسون): «إِنَّ الحَرْبَ الحَاضِرَةَ فِي الجَزَائِرِ لَيْسَتْ حَرْبًا دِينِيَّةً أَوْ جِنْسِيَّةً أَوْ حَضَارِيَّةً، وَلَكِنَّهَا حَرْبُ مَجْمُوعِ مَظْلُومِ يُرِيدُ أَنْ يَتَحَرَّرَ مِنْ رِبْقَةِ مَجْمُوعٍ ظالِمٍ. إلاَّ أَنَّ الإِسْلاَمَ عُنْصُرٌ فَعَّالٌ فِي دَفْعِ الجَزَائِرِيِّينَ إِلَى طِلَبِ هَذَا التَّحَرُّرِ ... لَقَدْ أَيْقَنَ الجَزَائِرِيُّونَ مُنْذُ الأَيَّامِ الأُولَى لِلاِحْتِلاَلِ أَنَّ هَدَفَ الفِرَنْسِيِّينَ كَانَ القَضَاءُ عَلَى الإِسْلاَمِ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَدْرَكُوا جَمِيعًا أَنَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْتَصِمُوا بِالإِسْلاَمِ حَتَّى يَقْدِرُوا عَلَى التَّحَرُّرِ. وَالوَاقِعُ أَنَّ الاِحْتِلاَلَ (الفِرَنْسِيَّ لِلْجَزَائِرِ) كَانَ مُنْذُ البَدْءِ يَحْمِلُ هَذَا المَعْنَى مِنَ (الحَرْبِ الصَّلِيبِيَّةَ)» (٢).

لا نرى بعد هذا أن نمضي في الاستشهاد او الاستنتاج للدلالة على أن الفرنسيين يحاربون الجزائريين كمسلمين في الدرجة الأولى. ولكن هذا لا يمنع أحدًا من قبول الجهود التي يبذلها القوميون في نصرة الجزائر ومن شكرهم عليها.


(١) L'Algérie hors de loi ٢٦٧ - ٢٦٨
(٢) ibid, ٢٦٩

<<  <   >  >>