للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رأى المبشرون والمستعمرون عظمة الثقافة العربية الإسلامية وأنها مصدر عزة للشرق وللعرب والمسلمين. ثم إنهم أيقنوا أن أمة لها هذه الثقافة لا يمكن أن تخنع أو تذل أو تبيد. وهكذا انصرفت أذهان هؤلاء المبشرين والمستعمرين إلى تشويه وجه هذه الثقافة وإلى الحط من شأنها في نفوس أصحابها. وكان العمل عليهم سهلاً، أو هكذا ظنوه، فقسموا ذلك العمل قسمين: قسمًا يتناول حقيقة الرسالة التي أديناها نحن للشرقيين العرب المسلمين وما فيها من أوجه العظمة والحقائق التي كانت أساس الرقي الإنساني أو ما فيها من الآراء الصحيحة الخالدة على الدهر، ثم قسمًا من الحقائق الحديثة التي لَم تُعْرَفْ قبل العصر الحاضر.

- أما القسم الأول فساروا فيه ينحلون حقائقه الصحيحة وآراءه الصائبة غير العرب وغير المسلمين، يجمع هذا كله قول (أرنست رينان) الفرنسي: «الفَلْسَفَةُ العَرَبِيَّةُ هِيَ الفَلْسَفَةُ اليُونَانِيَّةُ مَكْتُوبَةٌ بِحُرُوفٍ عَرَبِيَّةٍ». فكل مظهر عزيز في الفلسفة الإسلامية عند (رينان) وأتباع (رينان) إنما هو للفرس أو لليونان أو للنساطرة ولليعاقبة، أو إنه مشكوك فيه، وَكُتُبُ المبشرين والمستعمرين مملوءة بمثل هذا التجني على العبقرية العربية.

ولا نعلم نحن ما الذي دفع وزارة المعارف اللبنانية إلى تبني هذا الرأي - غير أصابع اليسوعيين المبشرين المستعمرين - وترديده في صور مختلفة في امتحانات الباكالوريا. فقد سئل هذا السؤال في أشكاله المختلفة في دورات كثيرة (قبل الاستقلال والخروج من الانتداب الفرنسي وبعد ذلك):

- تشرين الأول ١٩٣٤: هل من فلسفة عربية؟

- تشرين الأول ١٩٤١: هل أضاف فلاسفة العرب شيئًا جديدًا إلى فلسفة الأقدمين حتى يمكن القول أن للعرب فلسفتهم كما لليونان فلسفتهم؟

- تشرين الأول ١٩٤٤: قال (أرنست رينان): «لَيْسَتْ الفَلْسَفَةُ العَرَبِيَّةُ سِوَى الفَلْسَفَةَ اليُونَانِيَّةَ مَكْتُوبَةً بِأَحْرُفٍ عَرَبِيَّةٍ».

- حزيران ١٩٤٦: قيل: لم تستقم للعرب فلسفة لأنهم لم يوحدوا بين العناصر الأجنبية التي نقلوها، إنما اكتفوا بعرضها متجاورة لا متفاعلة.

- تشرين الأول ١٩٤٨: (أرنست رينان): «لَيْسَتْ الفَلْسَفَةُ العَرَبِيَّةُ سِوَى الفَلْسَفَةَ اليُونَانِيَّةَ مَكْتُوبَةً بِأَحْرُفٍ عَرَبِيَّةٍ».

هذا عدد من الدورات التي سئل فيها مثل هذا السؤال. والويل للتلميذ الذي ينتصر للفلسفة «العَرَبِيَّةِ» انتصارًا ظاهرًا. أما كلمة «إِسْلاَمِيَّةٍ» وحدها، فقد تفسح للطالب المجال

<<  <   >  >>