للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجَمَاعَاتِ الأَفْرِيقِيَّةِ أَظْهَرُوا اِمْتِعَاضًا شَدِيدًا مِنَ التَّبْشِيرِ وَأَخْبَرُونَا أَنَّ الصِّلَةَ بَيْنَ الكَنَائِسِ وَالتَّبْشِيرِ وَبَيْنَ التَّعْلِيمِ يَجِبُ، فِي رَأْيِهِمْ، أَنْ تَنْتَهِيَ بِسُرْعَةٍ. وَكَانَ هَؤُلاَءِ إذَا تَكَلَّمُوا فِي التَّعْلِيمِ يَقُولُونَ:" مَدَارِسُكُمْ وَمَدَارِسُنَا "، يُحَدِّدُونَ بِذَلِكَ الفَرْقَ بَيْنَ مَدَارِسِ الإِرْسَالِيَّاتِ وَبَيْنَ المَدَارِسِ التِي تُدِيرُهَا السُّلُطَاتُ الأَفْرِيقِيَّةُ المَحَلِّيَّةُ» (١). ومنهم من جعل يقتل المبشرين في الكونغو (٢) وفي غير الكونغو.

والواضح أن هذا الخلاف في الرأي يرجع إلى عامل وراء التبشير ووراء التعليم؛ إن هذا العامل كان «الاستعمار». يرى (غروف) أن السنوات العشر التي تلت الحرب العالمية الأولى قد خلقت نُضْجًا وَوَعْيًا بَيْنَ الشُّعُوبِ الأَفْرِيقِيَّةِ. ومع أن الإرساليات التبشيرية كانت منذ أيامها الأولى ترى أن تبلغ الشعوب الأفريقية رشدها بين شعوب العالم المتطورة وأن يصبح الجميع أبناء متساويين للهِ الواحد، فإن تلك الإرساليات كانت ترى أن يتم هذا في مدى طويل. إلا أن هذه التطورات قد جلبت معها مضايقات للإرساليات المسيحية ينبع معظمها من إلحاح الأفريقيين على العمل السياسي السريع بالإضافة إلى عمل مواز لذلك في سائر الميادين (٣).

إن التعبير في المقطع السابق غامض في شكله الراهن، مع أن المؤلف (غروف) يدور حوله في صفحتين. إن المقصود من هذا المقطع أن الأفريقيين لما تعلموا في مدارس التبشير ووصلوا إلى شيء من النضج بدأوا يطالبون باستقلال صحيح في السياسة والاقتصاد والاجتماع، بينما كان المبشرون يعتقدون أن التعليم تحت إشراف المبشرين سيجعل الأفريقيين يطمئنون إلى الحكم الأجنبي وقتًا طويلاً على الأقل.

وهذا الذي كان يجري في أواسط أفريقيا وفي شرقها، في أراضي النفوذ البريطاني، كان يجري مثله في غربي أفريقيا. إن نيجيريا بلاد واسعة كثيرة السكان. غير أن السكان في نيجيريا يتفاوتون في الحياة الدينية: فالغالب على القسم الشمالي من نيجيريا الإسلام، بينما الأكثرون في الجنوب من الوثنيين. فلما ملكت بريطانيا هذا الجزء من القارة الأفريقية منعت السكان المسلمين أن يدخلوا إلى القسم الجنوبي الوثني ثم أطلقت للمبشرين حرية العمل فيه. إن الحكومة البريطانية لم تسمح بحرية مماثلة للمبشرين في القسم الشمالي لأن الإسلام فيه قوة عظيمة، ولم تكن إنجلترا راغبة في إغضاب المسلمين حرصًا على مصالحها الاقتصادية والسياسية أولاً. ولكن منذ عام ١٩٢٧ أخذت الحكومة البريطانية


(١) ٢٨٢، ٢٨٣.
(٢). (Life Magazine N. Y, Feb. ١٤, ١٩٦٤ (Editorial
(٣) ٢٨٠ .

<<  <   >  >>