للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَقْتَصِرَ عَلَى حِفْظِ الأَمْنِ وَتَسْيِيرِ الحُكْمِ (١). ثُمَّ إِنَّ نَشَاطَ هَذِهِ الإِرْسَالِيَّاتِ الدِّينِيَّةِ يَجِبُ أَلاَّ يَعْتَرِضَ سَبِيلَهُ، كَمَا أَنَّ رِجَالَ هَذِهِ الإِرْسَالِيَّاتِ يَجِبُ أَلاَّ يَخْضَعُوا لِتَدْبِيرٍ يُقَيِّدُهُمْ بِسَبَبِ جِنْسِيَّتِهِمْ (٢)، مَا دَامَ نَشَاطُهُمْ قَاصِرًا عَلَى الحَقْلِ الدِّينِيِّ ...».

هذه المادة تدل ضمنًا على القيام بالتبشير، لأن التبشير هو المقصود بالتركيب «نَشَاطُ هَذِهِ الإِرْسَالِيَّاتِ الدِّينِيَّةِ»، مما يلاحظ من أماكن مختلفة، ستراها في الفصول التالية. وليس المقصود منها «مُمَارَسَةَ العِبَادَاتِ»: إن رعايا الدول الأجنبية كلها تمارس عبادتها في لبنان وفي غير لبنان من غير أن تكون قد عقدت معاهدة مع الدولة الفرنسية المنتدبة.

على أن فرنسا المنتدبة على سورية ولبنان قد استغلت كل فرصة لتنقل امتيازات الإرساليات المختلفة إلى الإرساليات الفرنسية وحدها. ففي تشرين الثاني من عام ١٩٢٥ نقلت الحكومة الفرنسية حق الإشراف على المؤسسات التبشيرية، التي كانت للألمان قبل الحرب العالمية الأولى في بيروت خاصة، إلى المؤسسات التبشيرية والتعليمية الفرنسية ثم جعلتها تتمتع بإشراف الحكومة الفرنسية نفسها وإشراف المفوض السامي في سورية (٣).

هذه لمحة عامة في بواعث التبشير وملابساته وغاياته الظاهرة والباطنة نمر بها مسرعين. وسيرى القارئ الكريم أوجه التبشير مفصلة في الأبواب التالية.

ونحن نحب من القارئ أن يتبين أن حب الخير والتعليم والتطبيب وما إليها هي وسائل للتبشير. ثم إن التبشير الديني نفسه ستار للتبشير التجاري والسياسي وأساسًا متينًا للاستعمار. ولنذكر دائمًا أن أكثر الفتن الداخلية في الشرق، من دينية وسياسية واجتماعية، إنما قام بها المبشرون والذين استأجرهم المبشرون، على ما نراه في الصفحات التالية كلها.


(١) في الأصل Good Government
(٢) المقصود: يجب ألا يحرم الأمريكيون عن امتيازات تتمتع بها الإرساليات الدينية الفرنسية.
(٣) Bianquis ٣ - ٥

<<  <   >  >>