للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتجاربهم فقال: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ [بِأَمْرِ] دُنْيَاكُمْ».

ومن المعلوم للكافة أن العقل لا يستطيع الحكم على شيء إلا من خلال الحواس الخمس، فهي التي تمده بما يحكم به، فمثلاً لا يعرف الأبيض من الأسود إلا عن طريق حاسة البصر. فكيف يحكم العقل على السنة النبوية وهي من الوحي، ولا تتضمن أحكامها بأمور الحلال والحرام، وهذه تخرج عن نطاق الحواس الخمس وعن نطاق أحكامها بأمور الحلال والحرام، وهذه لا تخرج عن نطاق الحواس الخمس وعن نطاق التجارب البشرية. ومن المعلوم للكافة أن الناس تتفاوت أحكامهم وتختلف اختلافًا كبيرًا في الأمور التي لا تخضع لنطاق الحواس الخمس، فأي عقل من هذه العقول يصبح هو الحكم على هذه الخلافات.

إن الإسلام قد صحح الانحرافات التي مارسها كثير من رجال الدين من أهل الكتاب حيث زعموا أن بيدهم صكوك الغفران والحرمان، فجاء القرآن وأبطل اختصاص هؤلاء بالتحليل والتحريم. فهل تعود هذه الانحرافات مرة أخرى تحت اسم جديد هو حكم العقل. إن العقل لا يصدق أَنْ يَرُدَّ أحد البصر للأعمى، أو أن يحيي الموتى، ولكن القرآن قد أخبر أن نبي الله عيسى فعل ذلك فصادقنا ذلك وقبلناه، لا بحكم العقل، بل بالإيمان بصدق القرآن.

والإيمان بصدق النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو الذي يجعلنا نقبل الأحكام التي جاء بها عن طريق السنة أو القرآن ومع هذا لم يثبت أحد أنها تضر بالخلق.

كما أن عقول الأوروبيين تحسن الزنا وتراه أمرًا عاديًا وليس جريمة في حق المجتمع. فهل تصبح هذه العقول حكمًا على سنة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سواءً نطق بهذا الحكم شخص غير مسلم، أو نطق به مسلم بلسانه لكنه أوروبي بعقله وبيانه.

إن مشاعر أصحاب هذه العقول لا تحكم على الله ورسوله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا. إن مشاعر ملايين من البشر في روسيا قد تقبل أن يقتل السارق ولكنها لا تقبل أن تعاقب الزوجة الزانية بأدنى العقوبات، وهي مشاعر دعاة الحرية الجنسية ترى أن الرجم عقوبة شنيعة بينما رجم القرى والمدن بأهلها بوابل من القنابل في لبنان وفلسطين وأفغانستان وأرتريا وكشمير وتشاد والفلبين لا يعد أمرًا شنيعًا أو مَاسًّا بمشاعر الناس، ومع هذا يصبح من الاجتهاد في شرع الله أن يقال إن اعتراض هؤلاء على عقوبة الزنا نقد غير مرفوض من وجه نظر الشريعة نفسها.

<<  <   >  >>