للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المرجع أيضًا " رسالة الإسراء والمعراج " للأستاذ محمد أنس مراد: ص ٥٨، ٥٩.

وهذا يؤكد المعجزة فإن الثابت في " الصحيحين البخاري ومسلم " أن أم المؤمنين عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قالت: «مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الفِرْيَةَ».

وفي الحديث الذي نقله الناقد، أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ التِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ المَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ ...». وهذا يؤكد أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسري به بالجسد والروح، وأن عائشة هي التي روت هذا فكيف تروي مرة أخرى أنه بالروح، ولو حدث هذا فالرواية الأصح هي التي تقبل.

ومع ضعف سند هذه الروايات فإن الشبهة التي يرون أنها دليل لهم هي قول الله: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} (١). وقد أجاب الجمهور على ذلك أنها رؤيا عين، وأخرج ذلك " البخاري " عن ابن عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - في تفسير هذه الآية.

والراجح أنها تتعلق برحلة الإسراء والمعراج كمشاهدة عملية، لأن الفتنة لا مجال لها إذا كانت رؤيا فهذا يحدث لجميع الناس ولا يكذبه أحد.

أما ما ورد في بعض أحاديث الإسراء والمعراج من عبارات مثل: «بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ»، ومثل: «فَاسْتَيْقَظْتُ»، فلا يدل على الرؤية المنامية، لأنه كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نائمًا فعلاً وجاء جبريل وأيقظه، وآيات سورة الإسراء تقطع بأن الرحلة ليست رؤيا منامية.

لما كان ذلك فلا يجوز أن نأخذ هذه الأحداث من كتب التاريخ أو التفسير أو السير، لأنها لم تمحص مثلما محصت الأحاديث النبوية وكتبها، فقد كانت الأمانة تجعل أصحاب هذه الكتب مثل الفخر الرازي، ينقلون في كتبهم كل ما اتصل بعلمهم ولو كانوا يشكون في صحته، ولهذا نجد في هذه الكتب أقوالاً هي إسرائيليات ونسبت إلى بعض الصحابة أمورًا حول خلافهم وتنازعهم على الحكم والدنيا بصورة لا يمكن أن تصدر عن هؤالاء الذين رضي الله عنهم، بل إن بعض هذه الكتب تنقل روايات تنسب إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمورًا لا تصدر عن الرعاع، مثل الإسرائيليات المنقولة عن قصة الحب المزعومة بينه وبين السيدة زينب بنت جحش حيث قالوا: إن الحب المزعوم هو سبب طلاقها والقرآن يكذبهم.


(١) [الإسراء: ٦٠].

<<  <   >  >>