للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليصل إلى النتيجة التي يحاربها والتي تخول للناس حق التحليل والتحريم.

٢ - أنه لو جاز جدلاً أنه لا يوجد كلمة الحكم إلا معنى القضاء، فكل ذي حس وبصيرة يدرك ويعلم أن القضاء لا يتولاه الأشخاص إلا من خلال مجتمع له رئيس أيًا كان اسم هذا الرئيس، حاكمًا أو أميرًا أو خليفة أو سلطانًا، أو رئيس جمهورية أو غير ذلك.

٣ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان هو رئيس المجتمع الإسلامي، وكانت عاصمته المدينة المنورة، وكان يجمع بين سلطة القضاء وسلطة رئيس الدولة، ثم أسند القضاء في بعض المناطق إلى قضاة عينهم لذلك بوصفه الرئيس الأعلى للدولة كما فعل الخلفاء من بعده مثل ذلك.

وأنه بهذه الصفة أمره الله تعالى بالحكم بما أنزل الله. قال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ...} (١).

٤ - أنه من الخلط البين القول أن آيات الحكم الخاصة بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تعني قضاء القاضي وليس نظام حكم وسياسة المجتمع، لسببين:

- الأول: أن القاضي لا يملك تنفيذ حكمه إلا من خلال دولة وسلطة تنفيذية، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان حاكمًا قبل أن يكون قاضيًا، ولهذا أمره الله بجمع الزكاة جبرًا من أصحاب الأموال. قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ...} (٢). وقد أسند النبي أمر جمع الزكاة إلى أشخاص خولهم هذه السلطة بصفته رئيسًا للدولة لا قاضيًا.

- الثاني: أن الأوامر الصادرة إليه من الله بالحكم بالإسلام لم تصدر إليه بصفته قاضيًا مختارًا بل بصفته رئيسًا لدولة تضم المسلم وغير المسلم، لهذا كان التكليف هو: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} (٣). فالقضاء احد مقومات الدولة.

٥ - أنه ليس صحيحًا أن آيات الحكم الخاصة بداود وسليمان خاصة بالقضاء وليست بالحكم، فقد قال اللهُ عن داود: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ...} (٤). فهذا النبي كان حاكمًا وقد كان سليمان صاحب ملك ودولة واسعة تضم الإنس والجن والطير، قال تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ} (٥).


(١) [المائدة: ٤٩].
(٢) [التوبة: ١٠٣].
(٣) [النساء: ١٠٥].
(٤) [ص: ٢٦].
(٥) [النمل: ١٧].

<<  <   >  >>