للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على المسلمين الداعين إلى الإسلام. هذه التصريحات وغيرها تتوالى مع أعمال ظاهرة وخفية، لمنع المسلم المتمسك بدينه من أن يطالب باحترام هذا الدين في جميع أمور الحياة ويقابل هذا تفرق لدى القادة السياسيين بل لدى كثير من الدعاة المسلمين، وهو ما قال عنه الشيخ أبو زهرة: «إِنَّنَا فِي هَذَا العَصْرِ قَدْ تَفَرَّقْنَا فِي كُلِّ شَيْءٍ. تَفَرَّقْنَا فِي السِّياسَةِ فَتَقَطَّعَتْ الدُّوَلُ الإِسْلاَمِيَّةُ أَقَالِيمَ مُتَنَازِعَةً وَأَصْبَحَ وَلاَؤُهَا لِغَيْرِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَالمُؤْمِنِينَ، فَصَارَ لَكُلِّ إِقْلِيمٍ وَلِيٌّ مِنْ أَعْدَاءِ المُسْلِمِينَ الذِينَ لاَ يَأْلُونَهُمْ إلاَّ خَبَالاً. وَوَرِثْنَا فِي هَذَا العَصْرِ التَّفَرُّقَ المَذْهَبِيِّ، حَتَّى أَخَذَ بَعْضُنَا يُكَفِّرُ الآخَرَ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ وَلاَ بَيِّنَةٍ، وَصَارَتْ الآرَاءُ وَالأَفْكَارُ عَصَبِيَّةً تُشْبِهُ العَصَبِيَّةَ الجَاهِلِيَّةَ، فَابْنُ الشِّيَعِيِّ شِيعِيٌّ، وَابْنُ السُّنِّيِّ سُنِّيٌّ يَتَوَارَثُ المَذْهَبَ كَمَا يَتَوَارَثُ الجِسْمُ اللَّوْنَ مِنَ الأَبِ إِلَى ابْنِهِ. وَأَهْلُ كُلِّ مَذْهَبٍ يَحْسَبُ أَنَّ مَذْهَبَهُ تُرَاثٌ لَهُمْ فَقَطْ، وَلَيْسَ تُرَاثًا لِلإِسْلاَمِ كُلَّهُ، وَإِنْ اعْتَبَرَهُ تُرَاثًا لِلإِسْلاَمِ فَإِنَّه يَتْبَعُ ذَلِكَ بِأَنَّ مَذْهَبَهُ هُوَ الإِسْلاَمُ وَأَنَّ مَا عَدَاهُ اِنْحِرَافٌ لاَ يُؤْخَذُ بِهِ وَضَلاَلٌ لاَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ. إِنَّ مَحْوَ الطَّائِفِيَّةَ وَالحِقْدَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ غَايَةً مَقْصُودَةً؛ لأَنَّ الخِلاَفَ الطَّائِفِيَّ وَالحِقْدَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ نَزْعَةً عُنْصُرِيَّةً، وَالذِينَ يُرِيدُونَ الكَيْدَ لِلإِسْلاَمِ يَتَّخِذُونَ مِنْهَا مَنْفَذًا يَنْفِذُونَ مِنْهُ إِلَى الوَحْدَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ. إِنَّ الطَّوَائِفَ الإِسْلاَمِيَّةَ يَجِبُ أَنْ تَتَلاَقَى عَلَى مَحَبَّةِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَتَحْتَ ظَلِّ كِتَابِهِ تَعَالَى وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَالمُقَرَّارَاتِ الإِسْلاَمِيَّةِ التِي عُلِمَتْ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَلاَ مَانِعَ مِنْ أَنْ تَخْتَلِفَ آرَاؤُنَا وَلَكِنْ يَكُونُ اخْتِلاَفَ آحَادٍ فِي مُنَازَعَةٍ عِلْمِيَّةٍ، وَلاَ يَكُونُ اخْتِلاَفَ جَمَاعَاتٍ وَطَوَائِفَ تَجْعَلُ الأُمَّةَ الإِسْلاَمِيَّةَ مُتَفَرِّقَةً مُتَنَازِعَةً، يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الخُصُومَةَ فِي الدِّينِ غَيْرَ الاِخْتِلاَفَ الفِقْهِيّ، إِذْ الاِخْتِلاَفُ يَنْبَعِثُ مِنَ الفِكْرِ المُسْتَقِلِّ وَالخُصُومَةُ تَنْبَعِثُ مِنَ التَّعَصُّبِ الطَّائِفِيِّ. لاَ يُعْتَقَدُ أَنَّ الآثارَ الفِقْهِيَّةَ لِمَذْهَبِ الإِمَامِ زَيْدٍ أَوْ مَذْهَبَ ابْنِ أَخِيهِ الإِمَامَ جَعْفَرَ الصَّادِقَ تَفْتَرِقُ فِي جُمَلَةِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ فِقْهٍ اِفْتِرَاقًا كَثِيرًا، تَجْعَلُ المُنَازَعَةَ مُتَبَايِنَةً تَمَامَ التَّبَايُنِ، وَحَسَبَ القَارِئَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الصِّلَةَ العِلْمِيَّةَ كَانَتْ قَائِمَةً بَيْنَ الأَئِمَّةِ أَصْحَابَ المَذَاهِبِ التِي انْتَشَرَتْ فِي الأَمْصَارِ، وَكَانُوا عَلَى اِتِّصَالٍ بِأَئِمَّةِ آلِ البَيْتَ - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ -، فَأَبُو حَنِيفَةَ كَانَ عَلَى اتِّصَالٍ بِالأَئِمَّةِ مُحَمَّدَ البَاقِرَ وَابْنَهُ مُحَمَّدَ الصَّادِقَ، وَعَلَى اتِّصَالٍ بِالإِمَامِ زَيْدٍ. وَكَانَ الإِمَامُ مَالِكٍ - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ - عَلَى صِلَةٍ بِالإِمَامِ جَعْفَرَ الصَّادِقَ، وَكَانَ بِهِ مُعْجَبًا يَقُولُ: " مَا رَأَيْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ إِلاَّ صَائِمًا أَوْ تَالِيًا لِلْقُرْآنِ ".

<<  <   >  >>