للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَعَ رِجَالِ الدِّينِ المُسْلِمِينَ المُتَطَرِّفِينَ عَمَّا دَرَجَ عَلَيْهِ رِجَالُ الكَنِيسَةِ فِي قَضِيَّةِ صُكُوكِ الغُفْرَانِ، أَوْ طَرْدِ النَّاسِ مِنَ الكَنِيسَةِ، أَلاَ يَعْمَلُ رِجَالُ الدِّينِ المُتَطَرِّفُونَ فِي يَوْمِنَا هَذَا عَلَى تَكْفيرِ كُلَّ مَنْ يُخَالِفُهُمْ أَوْ يُسِيءُ إِلَيهِمْ، وَهَلْ غَابَ عَنْ بَالِنَا أَنَّهُمْ رَاحُوا بِكُلِّ سَذَاجَةٍ أَوْ غَبَاءٍ يَهْدِرُونَ دَمَ الذِينَ لاَ يُشَاطِرُونَهُمْ الرَّأْيَ، وَيَخْرُجُونَ عَلَيْنَا بِفَتْوَى تُؤَكِّدُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الصَّلاَةُ عَلَى مَنْ عَصَى لَهُمْ أَمْرًا، وَلاَ يَصِحُّ دَفْنُ مَنْ خَرَجَ عَلَى مِلَّتِهِمْ فِي مَقَابِرِ المُسْلِمِينَ؟».

وجوابي على ذلك هو:

١ - سبق أن كرر الدكتور أنه يصحح لي ولكثير من المفكرين المسلمين أخطاءنا والإشكال الذي نقع فيه بشأن العلمانية. ونود أن يتذكر الدكتور أن الذين يصحح لهم أفكارهم ليسوا هم أصحاب هذه الأفكار، إن صح تسميتها أفكارًا، فهم يستمسكون بنصوص القرآن والسنة النبوية، ويعتقدون أن كل مسلم لا يملك أن يتجاوز حدود هذه النصوص؛ لأن الله يقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (١).

٢ - التصحيح لا يكون إلا بالاحتكام إلى مصدر لا خلاف عليه، لهذا فالمسلمون يحتكمون إلى القرآن والسنة، والشيوعيون يحتكمون إلى الماركسية والدكتور من المسلمين .. ولم يقل أحد خلاف ذلك - لم يكتب يومًا المصدر الذي احتكم إليه ليصحح لنا ولغيرنا هذا الفكر، ويفترض أنه كمسلم يرد الأمور المختلف فيها إلى القرآن والسنة، فهل في أقوالي وأفكاري ما يخالف القرآن والسنة؟ وأين هذه المخالفة؟ أما إن ادعى أن الإسلام لا يمنعه من تحكيم عقله أو عقل غيره من الناس في هذا، فالإسلام ليس أسرارًا خفية لا يعلمها إلا الكهنة، وليس له لغة لا يفقهها إلا الأحبار والرهبان، بل هو آيات بينات أقام عليها حضارة علمية ومدارس فقهية وفكرية. ويقول الله عن هذه الآيات: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} (٢).

والإسلام يرد على هذه البدعة بقول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا} (٣).

٣ - إن الإنسان الذي يملك صكوك الغفران والحرمان هو الذي يملك تصحيح أفكار


(١) [الأحزاب: ٣٦].
(٢) [القمر: ١٧].
(٣) [النساء: ٦٠].

<<  <   >  >>