للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والسنة الثابتة عند كل منهم فهذا لا يقول به مسلم. بل كان الاختلاف حول دلالات الألفاظ في القرآن والسنة، وأيضًا كان بعضه بسبب ثبوت الحديث النبوي في الموضوع المختلف فيه، فمن ثبت عنده الحديث أخذ به ومن شك في رواته عمل بالقياس على الثابت في السنة، وعلى القرآن الكريم، والعمل بالقياس لا يعني الاختلاف حول القرآن والسنة.

ولقد تم إيضاح ذلك في مقالي الذي يرد عليه فقلت: «وَمِنَ البَدَهِيِّ أَنَّ القُرْآنَ فِي رَدِّهِ الأَمْرَ عِنْدَ التَّنَازُعِ إِلَى الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لاَ يُلْغِي دَوْرَ العَقْلِ فِي اسْتِنْبَاطِ الأَحْكَامِ مِنْهَا عَنْ طَرِيقِ الإِجْمَاعِ وَالقِيَاسِ، عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ نَصٍّ مِنَ القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، لأَنَّ الإِجْمَاعَ وَالقِيَاسَ لاَ يَسْتَقِلاَّنِ بِالحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بَلْ يُبْنَيَانِ عَلَى القَوَاعِدِ العَامَّةِ فِي القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَهُوَ مَا يُعْرَفُ بِاسْمِ مُسْتَنَدِ الإِجْمَاعِ وَالقِيَاسِ».

وإذا كان الدكتور يظن أنه توصل إلى نظرية تحسم الخلاف وتؤدي إلى المحبة والوئام، وهي كما كرر في مقالات سابقة وفي مقالة بتاريخ ٢٤/ ٥ / ١٩٨٤ اتخاذ العقل حَكَمًا فِي المُنَازَعَاتِ، وإبعاد الدين والفصل بين الدين والدولة. فإن أكثر أسباب الخلاف ترجع إلى العقل سواءً كان التشريع علمانيًا أم دينيًا، وذلك لاختلاف العقول في قوة الاستنباط، أو ضعفه، وإدراك دلالات الألفاظ أو الجهل بها، أو الغوص في أعماق المعاني.

فالتشريع الذي يحتكم إليه الناس سواءً كان لا دينيًا أو شرعيًا، ما هو إلا نصوص يفسرها العقل الذي يختلف حكمه للأسباب السابقة، وأيضًا لاختلاف البيئات والمؤثرات والمصالح، ولهذا اختلف فقهاء القانون في كل مجتمع.

وإذا كان الناس قد اختلفوا ويختلفون عند تفسير التشريع الذي يحتكمون إليه، فما بالنا لو طبقت نظرية العلمانيين وأبعدنا حكم الله واحتكم كل منا إلى ما يريد بعقله، إذًا لكثرت النظريات والتشريعات ولتقاتل أصحابها. إنها الطامة الكبرى والصراع الدائم والحروب التي لا نهاية لها، وما أمر المعسكر الشرقي بأجنحته، والمعسكر الغربي بأجنحته ببعيد عن أحد لهذا كانت رحمة الله بالناس، وتمثلت في قواعد تشريعية أهمها:

١ - أن يكون التشريع من عند الله، لأن الاحتكام إلى عقول الناس يزيد من الخلافات، ولأن مجال عمل العقول فيما يخضع للتجارب، وعلاج الغرائز أمر لا يخضع للتجارب.

<<  <   >  >>