للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (١) وأبو ذر رأى أنهما نزلتا فيهم وفينا معاشر المسلمين، هذا هو منشأ الخلاف بينهما كما ذكره المفسرون، والذي اتفق عليه علماء المسلمين أنهما نزلتا في الجميع - كتابيين ومسلمين - غير أن المسلم إذا أخرج زكاة ماله ودفعها إلى بيت مال المسلمين لتصرف في أوجهها المبينة في آية: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِالخ ...} أو دفعها منه مباشرة إلى الفقراء ومن ذكر معهم من الأصناف الثمانية المستحقين لها فيما إذا لم توجد بيت مال المسلمين، فإذا دفع المسلم زكاة ماله فلا يسمى ما جمعه واذخره كنزا المتوعد عليه في الآية الآنفة الذكر، وبالخصوص إذا علمنا أن آية الزكاة لمستحقيها نزلت بعد هذه الآية: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَالخ ...}، ففرضت الزكاة تطهيرا للمال ولصاحبه من الشح والبخل كما ورد في آية: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَاالخ} (٢) وكما ورد ذلك أيضا عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

من أجل هذا الخلاف في فهم الآيتين، ومن أجل ما يقوم به أبو ذر - حسب زهده في الدنيا - من عتاب على جامعي الأموال ومدخريها من أجل ذلك شكا معاوية إلى أمير المؤمنين الخليفة الثالث - عثمان بن عفان - رضي الله عنه ما يلقاه من أبي ذر ودعوته إلى تزهيد الناس في الدنيا، وحملاته الشديدة على جامعي الأموال ومدخريها، فكتب معاوية إلى عثمان:

(إذا كان لك حاجة بالشام فأقدم أبا ذر إليك)، فاستقدمه عثمان إلى المدينة المنورة وأسكنه الربذة - بفتح الراء والباء والذال - باختيار أبي ذر لها، وهي قرية خارج المدينة اختارها لتكون مقرا له من غير إلزام ولا جبر عليه.

وهنا نسأل أصحاب هذه الدعاية - وغيرهم - الذين استعملوا ويستعملون كلمة أبي ذر تلك كحجة لهم على دعواهم، فنقول لهم: لماذا لم تأخذوا من أقوال أبي ذر غير هذا ... ؟؟؟ أللتزهيد في جمع المال وادخاره؟ والكل يعلم أن أرباب هذه الدعاية عملوا - جادين - على كسب المال وادخاره، أو لكون كلمة أبي ذر فيها دعاية وترغيب لمبدأ (مزدك) المجوسي؟ إن وراء هذه الدعاية سرا مكتوما يعلمه الراسخون في العلم.


(١) الآية ٣٤ منها.
(٢) الآية ١٠٣ من نفس السورة.

<<  <   >  >>