للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتكوينه، ذلك أن التفاوت يكون في أشياء - مثلا - في العقل، وفي العلم والجهل، والذكاء وضده - البلادة - وفي الصحة الجسمية والضعف، وتفاوت أيضا في المنصب والوظيفة إلى آخر ما هنالك من أصناف البشر ودرجاتهم، فالله يقول: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} أي مسخرا، فالملاحدة يعترضون على القرآن بأنه جعل الناس طبقات ودرجات، وقائل هذا القول جاهل بحكمة الخلاق العليم، فلو كان الناس كلهم في درجة واحدة - كالفقر أو الغنى - لضاعت مصالحهم، فلا أحد يحتاج إلى أحد، أما وهم في درجات متباينة تجعلهم لا يستغني الواحد منهم عن غيره، فكل واحد يحتاج إلى سواه ولو في أبسط الحاجات، وبهذا تلتئم مصالحهم، ويكمل بذلك نظام هذا الكون.

أما جعل الناس في درجة واحدة لا يحتاج الواحد منهم إلى غيره فذلك ما لم يكن - ولن يكون - وأصحاب هذه الفكرة - التي تدل على الغباوة، أو التغابي وسوء القصد - هم أنفسهم يحتاج الواحد منهم إلى غيره، ليخيط له ثوبه، أو يصنع له حذاءه، أو يسوق به سيارته الخ ... أما على دعواهم فكان الواجب عليهم أن يتولى كل واحد منهم شأنه بنفسه ويباشره بيده، وهذا ما لا يستطيعه أحد كيفما كانت قوته ومداركه، وهل في بلد أصحاب هذه الدعوى توجد المساواة في كل شيء؟

حدثني من زار "موسكو" أنه لاحظ - فيما لاحظ - على بائعي الخبز - مثلا - فرقا كبيرا لم يره في بلد غيره بالرغم من كثرة تجواله وتنقله في البلدان والعواصم، ذلك أن الخبز في موسكو على ثلاثة أنواع لكل نوع أصحابه وأهله.

١ - نوع رديء الدقيق والصنع والنضج تزن الخبزة الواحدة نحو (٢ ك ق) وهو في دكان خاص يتولى بيعه عمال باللباس الأزرق - وهو خاص بالعمال -.

٢ - وإلى جنبه دكان آخر بنوع آخر من الخبز أقل رداءة من الأول، وأقل وزنا منه، وبائعوه في لباس أحسن من الأولين، وأصحابه في درجة أعلى من العمال وأقل من الاختصاصيين.

٣ - أما الدكان الثالث فخبزه أحسن وأجمل من السابقين، في كل شيء في جودة الدقيق والنضج وقلة الوزن، يتولى بيعه وتوزيعه فتيات باللباس الأبيض مع اللطافة في المعاملة الخ ولكل نوع من هذه الأنواع طبقة من الناس لا يسمح لأفراد الطبقة الأولى أو الثانية أن تأخذ من خبز الطبقة الثالثة،

<<  <   >  >>