للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلو درسوا القرآن كما درسوا غيره من القوانين الوضعية والأعراف الدولية لما تنكبوا عن صراط الله السوي.

ومما يناسب المقام أن نذكر هنا بعض ما جاء في بيان فضل القرآن ومكانته، من التنويه بشأنه ولفت النظر إليه، في ذلك قول الله جل جلاله: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}.

ذكر ابن جرير الطبري في تفسيره لهذه الآيات الثلاث من سورة يوسف عليه السلام قال: مل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملة فقالوا: يا رسول الله حدثنا، فأنزل الله عز وجل: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا الخ} (١) ثم ملوا ملة أخرى فقالوا: يا رسول الله حدثنا فوق الحديث ودون القرآن، يعنون القصص، فأنزل الله: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}، قال: فأرادوا الحديث فدلهم على أحسن الحديث، وأرادوا القصص فدلهم على أحسن القصص، وزاد من طريق آخر، فأنزل الله: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} (٢).

فلنتأمل هذا التوجيه الرباني الذي وجه إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين عامة، إذ قال لهم: إن لكم في القرآن - كلام الله - ما تزيلون به مللكم وسآمتكم، قصص واقعة لا خيال فيها، فيها العبرة بما حدث في القرون الخوالي، فمنها تأخذون الدروس الكافية لكم في حياتكم - والحياة كلها دروس - عما حدث للأمم السابقة التي أعرضت عن شرائع الله ونبذت أحكام دينه، وكذبت رسله - وتهوكت - وتحيرت في أمرها، كيف كانت عاقبة أمرها؟؟ حقا لقد كانت عاقبة أمرها خسرا، ذلك أن في القصص الصادقة عبرا جليلة عظيمة، ولهذا قال الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ


(١) الآية ٢٣ من سورة الزمر.
(٢) الآية ١٦ من سورة الحديد.

<<  <   >  >>