للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي الجانب الآخر من حياة المسلمين، هناك حكام جلسوا فوق كراسي السلطة والحكم، يتولون أمور المسلمين، يحمونهم من كل مكروه ويسوسونهم بالرفق واللين، يوجهونهم وجهة الخير والسعادة، يعطفون عليهم كما يعطفون على أبنائهم أو أشد، يحافظون على حرماتهم، ويسهرون من أجل راحتهم، ويتعبون من أجل سعادتهم، وفي أيديهم كتاب الله وسنة رسوله، بهما - لا بغيرهما - يسوسون أمتهم، لأن الكل مسلمون.

هؤلاء وأولئك هم صفوة هذه الأمة، وهم منارها وكهفها، وقد كان الوفاق تاما شاملا بين من اعتلى منبر الخطبة الجمعية وبين من تربع على كرسي السلطة الزمنية - لا يعلو أحدهما على الآخر علو عتو واستكبار - يأمر الخطيب وينهى، وما أمره ونهيه إلا بما فيه طاعة الله ورضوانه، فيسمع الحاكم والمحكوم، سماع قبول ورضى وطاعة، في قلوب الحكام حب للعلماء واحترام لجانب العلم والدين، وفي قلوب العلماء إخلاص وولاء وطاعة لجانب الحكام، بل كان في الأزمان الزاهرة للإسلام الحاكم هو الإمام وهو الخطيب، ولذلك لقب بالإمام، جمع في يديه السلطة الروحية إلى جانب السلطة الزمنية، يسترشدون العلماء فيرشدونهم، ويستفتونهم فيما يحدث لهم من قضايا ومشكلات فيفتونهم، فيتعاون الجميع على حلها، لا يعادي أحدهما الآخر، إلا إذا اعتدى ذلك الآخر على حرمة الشريعة، فعند هذا يقف الآخر في وجهه، أن قف عند حدك ... ولا تتجاوز الحدود، فيصير كل واحد من الصنفين يرهب الجانب الآخر ويخشى غضبه، فيعمل كل واحد منهما على إصلاح نفسه، حتى لا يكون عرضة لغضب الله والأمة المسلمة، وبصلاحهما تصلح الأمة وبفسادهما تفسد كذلك، كما جاء في الحديث الذي أخرجه أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس: العلماء والأمراء)) والسر في هذا ظاهر، لأنهما محل القدوة ومحط أنظار العامة، إننا في زمان تأله فيه بعض حكام المسلمين وصاروا كالأوثان التي كانت تعبد من دون الله، تقرب لها القرابين، ويقدم قولها على قول الله الخالق العزيز، تطاع ويعصى الله.

إننا رأينا العجائب والغرائب في عصرنا هذا، فقد خرج الكثير من

<<  <   >  >>