للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مثل ذلك أو أكثر من ذلك، انهر زملاء لأبو علي، في الهند وفي الباكستان وفي أمريكا الجنوبية، وفي كثير من بقاع الأرض الأخرى، والحق أن في ما فعله نهر أبو علي وزملاؤه كل الخير، وكل الفضل، لقوم يعقلون ويعتبرون، لأنه بما فعل إنما يذكر الغافلين العاتين بجبروت ربهم، ويعلمهم الحاجة إلى رضاه وإلى رحمته، ولكن الناس كعادتهم أساؤوا إلى نهر أبو علي أشد الإساءة، فوجهوا إليه أقصى العتاب، وصبوا عليه أشنع اللعنات ظلما وعدوانا، ولو كانت أحكام الأرض قائمة على العدل والمنطق، لكان الناس هم أحق بالعتب واللعن، إذ ما ذنب أبو علي أيها الناس؟ لو أردتم أن تجعلوا من نقمته رحمة، ومن شره خيرا ومن غضبه رضاء، لكان ذلك كله في متناول أيديكم، فما نهر أبو علي إلا كغيره من مخلوقات الله المسخرة للإنسان إن شاء وجهها إلى الخير، وإن شاء أهملها، أو وجهها إلى الشر، وحتى المخلوقات التي تعيش في داخل منزلك، وفي داخل جيبك، هي مثل نهر أبو علي تماما، في خضوعها لتسخير الإنسان، ولو أنك أطلقت الغاز، الذي يكمن في بطارية منزلكم لاختنقتم جميعا، ولو وجهت رأس السكين الذي في جيبك إلى صدرك وقلبك، لكان في ذلك حتفك، وهلم جرا، ولكن المفروض، أن هذه المخلوقات جميعا، إنما هي نعم حينما نستعمل عقولنا في استغلالها، ومن حقها أن تتحول إلى نقم ضدنا، إذا كفرنا بنعمة العقل، وعطلنا طاقتها، وعلى كل حال، جزى الله نهر أبو علي خيرا فلقد أيقظ الضمير الإنساني، الذي كان نائما ونبه العقل الجبار، الذي كان غافلا، فما أحوج الناس إلى يقظة الضمير وإلى صحو العقل، ولعله من المكافأة المتواضعة لنهر أبو علي أن نجعله ثاني الليطاني وليس ذلك عليه بكثير.

[ضحايا طرابلس بالمئات وأما الجزائر فهم بالآلاف]

هذه هي قصة الفيحاء وهذه أدوار أبو علي معها، وتلك كانت عظاته مع الناس وماذا كان شأن الجزائر المسكينة التي نكبت بمخلوق، ما عرف مثله تاريخ النكبات، هذا المخلوق الشاذ الذي يسميه الناس فرنسا، عاشت في الجزائر قرنا وربع قرن سجلت

<<  <   >  >>